في ذكرى وفاة فوزي باشا الملقي
10-01-2015 12:31 PM
الصدفه قد تلعب دورا في حياه الانسان ليصبح رئيس وزراء و لكن الحكمه و المقدره و الذكاء هو ما يخلد هذا الرئيس ويميزه عن غيره ، و بذلك تبقي ذكراه حيه بعد دهر من الزمان و هذا هو فوزي عيد الملقي الذي درس في الجامعه الامريكيه في بيروت وقام بالتدريس في وزاره المعارف الاردنيه ، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي الاردني في عهد الملك طلال رحمه الله عليهما ، ليتقلد منصب السفير الاردني في القاهره في مرحله هامه فتحت قلبه و عقله علي القومية العربية و في نفس الوقت اقترب من الملك الحسين الشاب ذو الخامسه عشر من العمر انذاك حامل لقب الاماره.
اوراق كليه فيكتوريا بالاسكندرية ، حيث درس الامير الحسين - والذي اصبح الملك فيما بعد - تشير الى ان ولي امر الطالب الامير حسين بن طلال بن عبد الله اثناء فتره دراسته بكليه فيكتوريا هو فوزي عيد الملقي ، و بذلك فإن اي احتياجات او استسفسارات او طلبات للامير يتولاها فوزي الملقي و اي شكاوي او عقاب او مسائله يتم اعلام فوزي الملقي ليأتي و يوجه الامير بصفته ولي امره .
و حين قرر الملك طلال بناءا علي توصيه من كلوب باشا الذي كان يتولي منصب قائد الفصيل العربي من الجيش البريطاني في الاردن ، و الشهير “ بابو حنيك “ ، ادخال الامير الشاب الي كلية الملوك و الامراء الشهيره في الاسكندريه ، سافر الملك الراحل طلال و الملكه زين و معهما الامير الحسين يرافقهما صبحي طوقان المرافق الخاص للملك طلال و استقبلهم فوزي الملقي بصفته الدبلوماسية ، و ذهب الجميع بسياره مرسيدس الي كلية فيكتوريا بالاسكندرية محملة بحقائب الامير و احتياجاته ،حيث لم يسمح لهم بدخول المدرسة بالسياره او انزال حقائب الامير ، و نزل الملك و الملكة و الامير و دخلوا الى ساحة كلية فيكتوريا باعتبارهم اهل طالب مستجد يعامل مثل اي اي طالب اخر تصرف له الملابس من مستودع الالبسه ، جاكيت وبنطلونين و ربطة عنق و حذاء اسود و ثلاث جوارب و اربعة غيارات داخلية . و من تلك اللحظه عاد الملك و الملكه الى عمان و اصبح الامير الشاب في رقبه و مسؤوليه فوزي الملقي الذي انُعم عليه بلقب “باشا“.
و علاقة الامير الشاب امتدت الي زوجه فوزي الملقي ، السفير المتفوه و الاب الحاني ، وهي السيده الملقبة ب “أم هاني “ ذات العقل النير و الفكر الموجه و القدره على استنباط المستقبل و التي اولت عناياتها الكبيرة للامير الشاب فكانت ترعاه أمّا حانيه و تهتم به كلما التقته في اجازات امضاها في نهاية الاسبوع بصحبة السفير و ابن خالته الذي كان يدرس معه الامير زيد بن شاكر.
لقد كانت الصداقه التي ربطت الامير الشاب بالسفير قويه لدرجه يسمح تاريخيا ان يقال ان فوزي الملقي لعب دورا كبيرا في حياة الامير لا تقل عن الدور الذي لعبه غزيز با المصري مع الملك فاروق اثناء دراسته في لندن ، و اثر فوزي الملقي لاحقا في قرارات ملكيه اهمه مشروع جونستون لتحويل المياه فيما بعد و استمع له الملك الحسين .
و لقد وعد الامير الحسين الرئيس فوزي الملقي انه في حال اصبح ملكا علي البلاد فسيكون اول رئيس لوزراء الاردن في عهد الملك الحسين ، وقد تم و اعتبر الملك الحسين فوزي الملقي “وسادته السياسية “ التي يخلد لها للراحه عند القرارات الصعبه انذاك.
و تلك الوعود التي اطلقها الاميرالحسين بين اصدقائه في مرحله الدراسة بكلية فيكتوريا حققها الامير فيما بعد عندما تولي العرش ، لاصدقائه من امثال زيد الرفاعي و الامير زيد بن شاكر اللذان اصبحا رؤساء وزراء للاردن في سنوات لاحقه، وايضا لعمر النابلسي الذي اصبح وزيرا للعمل و مستشارا لشركة طيران الملكية الاردنية.
و ليس من المفارقات بل من بديهيات حنكه و رؤيه فوزي باشا الملقي للاحداث ان استشرق استمرارية مدرسته السياسية بان تكونت وزارته من مجموعه رفاق عملوا معه في التدريس من امثال احمد طوقان و لكن الاهم ان وزارته هي الوحيده تاريخيا التي شملت خمسة وزراء اصبحوا فيما بعد رؤساء وزراء للاردن و هم هزاع المجالي و احمد طوقان و بهجت التلهوني وحسين فخري الخالدي و سعيد المفتي و تلك ليست مصادفه او عفويه بل قدره عقلية قل تواجدها في بعض ممن اتوا من بعده.
و ذلك يسجل له علي قدرته في انتقاء الرجال و تقديمهم و تهيئتهم ليكونوا جندا من جنود العمل السياسي الاردني.. انها مدرسة سياسية علي الاجيال ان تدرسها و تعي قيمتها و تذكرها حتي تعرف كيف هم الرجال و كيف هو العمل السياسي و كيف هو الاختيار و كيف ترشيح الوزراء ؟.
اليوم يصادف الذكرى الثالثة و الخمسين لرحيل فقيد الاردن الكبير فوزي باشا الملقي ، وزير الاتصالات و اول وزير دفاع في تاريخ الاردن و وزير الخارجية ووزير المعارف ونائب رئيس الوزراء ثم رئيسا لوزراء الاردن .
ومن جانب اخر ، يعتبر اختيار و تولية فوزي الملقي منصب رئيس الوزراء في الاردن ، تآكيدا قويا ان الاردن قومي عربي لم يبخل يوما علي احد بمنصب او جاه بغض النظر عن الاصول و الفروع التي يكثر الحديث عنها ، طالما ان الانتماء المقدس للتراب الهاشمي و الوطن الاردني في عقله و قلبه و ان لديه المقدره على خدمة الشعب و الوطن فكانت سيمفونية الابداع .
aftoukan@hotmail.com