مصداقية الشهادات العليا .. ارتقاء أم بحث عن الذات
فيصل تايه
09-01-2015 04:55 AM
دعوني أعترف بأنني لست ممن يزاودون على حساب مكتسبات البعض ، متمنياً أن يفهم طرحي لما فيه الخير والمحبة ، فما هدفي إلا السعي لتشخيص حالة استشرت في مجتمعنا الأردني وعلى نحو أثار جدلا ولغطا واسعا على كافة المستويات فالأمر متعلق بمصداقية الشهادات العليا التي أصبحت بحوزة البعض فجأة ما أكسبهم اللقب والمركز والمكانة .
إن الوظائف القيادية بمختلف مستوياتها وخاصة العليا منها مطمح للكثيرين من موظفي السلك الحكومي وأجهزته الوظيفية المختلفة ، فمن أراد بلوغ النماء الوظيفي وسعياً للارتقاء وصولاً لمركز مرموق ، ذلك يتطلب سجلاً وظيفياً نظيفاً ودرجه عالية وأداءً مميزاً كما وتتطلب تلك الوظائف شهادات جامعية عليا تعزيزاً وتدعيماً ، وبالتأكيد فمن حق من تجمعت به الشروط والصفات ان يحقق طموحه وأماله وسيبلغ الرفعة والتطور ، فالطموح صفة فسيولوجية طبيعية ترافق الشخصية الإنسانية لتسعى نحو الارتقاء والتقدم ، ارتقاءً لدرجات وظيفية أفضل في معترك الحياة المهنية بجدليتها وتعقيداتها .. فحق وظيفي لكل موظف وان اختلف موقعه أن يطور نفسه بما ينسجم وطموحه المهني .
إلا أن البعض اختلفت ثقافاتهم وتحولت أفكارهم واندفعوا لنيل الشهادات الجامعية العالية وسارعوا للالتحاق بالجامعات ذات المستويات الأكاديمية المختلفة فمنها المعتمدة ومنها ما لم يعتمد ومنها المعروف ومنها المجهول ، فمن حالفه الحظ وحصل على شهادة علمية عالية من جامعات عريقة أكسبته مستوى أكاديميا محترما ، وبالفعل منح المسمى واللقب والتطور الوظيفي وحقق حلمه وأصبح في موقع محترم ونال منصبا قياديا بكل فخر واعتزاز واستطاع من خلاله خلق جو من التطوير المهني وعلى مستوى ملحوظ .. وانتقل إلى واقع أدائي وظيفي أفضل .. وسعى إلى تغيير السياسات الوظيفية وأنعشها بسياسات حديثة متجددة .
أما البعض الآخر من الذين حصلوا على المنصب وابتليت بهم الوزارات الحكومية ، وهم يحملون شهادات علمية عالية مجهولة المصدر .. أو لم تحمل متطلبات المعادلة السليمة ، فحمل أصحابها فكراً لا يساوي قيمة حبر الأختام التي ختمت بها شهاداتهم .. مع العلم بأن هناك بعضا من هؤلاء من تعدى منصب المدير إلى ما هو أعلى من ذلك .
ولم يكن الأمر ليمر هكذا ، فلقد تفتحت الأعين و تنبّهت الدولة لهذا الأمر في السنوات الماضية ، وقامت بإصدار قرارات تمنع الاعتراف بكثير من المعاهد والجامعات التي تمنح الشهادة الجامعية بأسهل الطرق وأقصرها.. وتطلب ذلك أيضا إيجاد آلية جديدة لمعادلة الشهادات بأسلوب قانوني عادل بحيث يمنح كل ذي حق حقه ، وكنا نعي تماماً أن حيازة تلك الشهادات فيها تدمير لمصلحة الفرد والمجتمع و الضرر الأكبر من تلك الشهادات المريبة والتي يتم الحصول عليها إما بالمال السخي او أن بعضاً منها يؤخذ بالتقسيط ، والأدهى والأمرّ .. أن يتباهى البعض بأنه حاصل على شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات العالمية التي قد تكون معروفة والتي تقبع في إحدى العواصم الغربية... وهو لم يغادر الأردن ولا يجيد صياغة جملة واحدة باللغة الإنجليزية ، ويا لها من شهادات تبقي الموظف على خداعه لنفسه ووطنه.. بينما يزداد دخله مكافأة له على حصوله على تلك الشهادات التي لا تعترف بها حتى الدول المصدرة لها..
أن لتلك الشهادات تداعيات سلبية على الواقع العملي محلياً .. حيث أنها أخذت مدى واسعاً خلال الفترة الماضية إلى حد أنها أربكت خطط التوظيف والتعيين لدى القطاعين العام والخاص ، بأن أخذ أشخاص غير أكفاء لحقوق آخرين وحتى على مستوى الجامعات أصبحنا نشهد ضعفاً أكاديميا في أداء الكثير ممن حملوا لقب " دكتور" وطلبتهم خير شاهد على ذلك .
وأخيرا دعوني أقول أن المرتبة العلمية العالية هي حتما لم تأت من فراغ بل هي عالم صعب وسلم طويل لا يمكن أن يتسلقه أي شخص مادام لا يحمل معه الزاد الذي توفر له وقضى جل عمرة في السهر والقراءة والمثابرة والبحث في مصادر المعلومات المختلفة في بطون الكتب والنشرات العلمية والبحوث المتنوعة والاجتهاد في الحصول على المعلومة المطلوبة لكي يكون مؤهلا لنيل تلك المرتبة أو الشهادة في نهاية تلك الرحلة العلمية.
والله من وراء القصد