كلما قامت الحكومة بعملية إصلاح لبعض الانحرافات والاختلالات التي يعاني منها النظام الاقتصادي، قام بعض النقاد بالاعتراض، ووصفوا الإجراءات التصحيحية بأنها استجابة لإملاءات الصندوق.
والحقيقة أن الصندوق لا يملي شروطاً إلا على الدول المأزومة العاجزة عن تسديد ديونها المستحقة، فتلجأ للصندوق الذي يعمل كوسيط بين الدولة المدينة والجهات الدائنة، سواء كانت بنوكاً أو دولاً.
الإملاءات في هذه الحالة هي الشروط التي يجب أن يخضع لها المدين المفلس ليحصل على تنازلات من الدائنين قد تشمل تخفيض سعر الفائدة وتأجيل دفع الأقساط أي إعادة الجدولة.
من غير المعقول أن يقبل الدائنون بتأجيل سداد حقوقهم إذا لم يقتنعوا بان الدولة المدينة قد عادت إلى رشدها، وأنها ستعيد ترتيب أوضاعها الاقتصادية بشكل يسمح باستعادة صحتها وتمكنها من التسديد في المواعيد الجديدة.
على العكس من ذلك فإن الدولة القادرة على خدمة ديونها في مواعيدها دون تأخير، والتي يملك بنكها المركزي احتياطياً من العملات الأجنبية يفوق حجم ديونها بالعملة الأجنبية، مثل هذه الدولة ليست (مضطرة) لاستدعاء الصندوق والخضوع لشروطه، وهي لا تطالب بإعادة الجدولة، وليس من حق أحد أن يفرض عليها شروطاً وأن يعهد للصندوق بالتأكد من الالتزام بتلك الشروط.
الأردن وقع في الحالة الأولى عام 1988/1989 عندما توقف عن الدفع ونضب احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية فالتزم بالشروط وقبل الإملاءات إلى أن استغنى عن أية تسهيلات من جانب الدائنين في عام 2004.
أما في الحالة الراهنة، فالأردن يجد نفسه بحاجة لإصلاح الاختلالات في اقتصاده، فيقرر بملء إرادته دعوة الصندوق للمراجعة وتقديم المشورة وإبداء الرأي وليس الشروط. ويضع الصندوق خبراته تحت تصرف الأردن ولكن الحكومة تظل حرة في قبول أية توصية أو رفضها، فهي تقدم برنامجها الذي يقبله الصندوق ويراجعه كمدقق حسابات خارجي ليس له سلطة، ويصدر شهادته بحسن السلوك الاقتصادي التي يحتاجها الأردن في مواجهة الدول المانحة التي ليست على استعداد لتقديم المال لبلد لا يدير اقتصاده بالاتجاه الصحيح...شهادة صندوق النقد الدولي لم تعد مطلوبة للدائنين بل للمانحين.
(الرأي)