العرب المسيحيون الأرثوذكس في الأردن وفلسطين .. ثورة متجددة
اسعد العزوني
07-01-2015 05:32 PM
يعاني أخوتنا العرب المسيحيون الأرثوذكس في فلسطين من احتلالين، الأول عام وهو الإحتلال الإسرائيلي، ويشاركهم فيه إخوتهم من العرب المسلمين والعرب اليهود المقيمين في نابلس وجماعة "ناطوري كارتا" حراس المدينة، الذين يعترضون على إنشاء الكيان الصهيوني ، وقدمت هذه الجماعة عام 1948 طلبات للأمم المتحدة لمنحهم جوازات سفر خاصة وإعتبارهم لاجئين، لكن الأمم المتحدة لم ترد عليهم حتى يومنا هذا ، وهم يؤمنون أن الصهيونية سرقت اليهود من الرب، كما ورد على لسان حاخامهم الراحل موشيه هيرش.
أما الاحتلال الثاني فهو خاص لكنه مؤلم، ومنبع ألمه أنه أسس للإحتلال الثاني وشكل له دعامة قوية وسندا كبيرا، وهو الإحتلال اليوناني الروحي لأم الكنائس وفرض الهيمنة عليها منذ أكثر من 500 عاما وبالتحديد منذ تمكن الفهلوي اليوناني الراهب جرمانوس من التسلل إلى الكنيسة واستغلال معرفته للغة العربية وقيامه بخديعة الناس آنذاك، ووصوله إلى سدة البطريركية وإغلاقها في وجه الرهبان العرب.
بدليل أن أحدا من الرهبان العرب لم يتم إنتخابه بطريركا للكنيسة ، لأن الرهبان اليونان الذين أصبحوا فيما بعد مواطنين أردنيين ويحملون الجنسية الأردنية ، باتوا هم سادة الموقف ، وحملوا مفاتيح الكنيسة ومفاتيح الخزنة وملفات الطابو الخاصة بالأوقاف الكنسية التي تبرع بها العرب المسيحيون الأرثوذكس لرفعة شأن كنيستهم ودلالة على محبتهم لها وتفانيهم من أجلها.
حاول الأجداد تعديل المسار وإنقاذ عروبة كنيستهم لكن التحالفات السياسية آنذاك وقفت حجر عثرة أمامهم وأعاقت تحركهم لأن العثمانيين آنذاك لم يريدوا تعكير صفو علاقاتهم مع اليونان، مع أنه لادخل للسياسة في هذا الأمر إحتكاما للمنطق ،لكن الأمور سارت كذلك ، ووجد الرهبان اليونان سندا لهم، أما العرب المسيحيون الأرثوذكس فقد ضاعت جهودهم هباء منثورا.
وعندما غربت شمس الإمبراطورية العثمانية ،ظن العرب الأرثوذكس أن الفرج قادم لا محالة، دون أن يعرفوا أن القدر قد خبأ لهم أكبر مصيبة تمثلت في الإنتداب البريطاني على فلسطين، تمهيدا لتسليمها للصهاينة وتثبيت أقدامهم فيها وسيطرتهم على الكنيسة المقدسية ، قبل أن يهيمنوا على المسجد الإبراهيمي في الخليل ومن بعده المسجد الأقصى المبارك في القدس كما هو حاصل هذه الأيام.
بعد طرد الصاينة للقوات البريطانية التي مهدت الطريق سياسيا وعسكريا لإقامة الكيان الصهيوني، وجرى توجيه تهمة لها بأنها قوات محتلة ،وتعرضت لعمليات إجرام صهيونية تمثلت بقتل الجنود البريطانيين وتعليقهم على الأشجار في قارعة الطريق ، وتعليقهم أيضا على أعمدة النور وحرق معسكراتهم بعد نهبها، إستقرت الأ مور للعصابات الصهيونية التي عمقت تحالفها مع الرهبان اليونا في الكنيسة المقدسية، إنتقاما من العهدة العمرية التي وقعها الخليفة المسلم العادل عمر بن الخطاب والبطريارك العربي الدمشقي صفرونيوس الذي إشترط فيها "ألا يساكننا فيها يهودي".
ما حصل هو أن طيبة المسلمين وتسامحهم سمحت ليهود بالعودة إلى القدس وها هم بتحالفهم مع الرهبان اليونان يسيطرون على المدينة المقدسة و يهيمنون على كل شيء فيها ،ولا ننسى حجم الأراضي والعقارات والممتلكات العربية الأرثوذكسية التي قام الرهبان اليونان بتسريبها بيعا بثمن بخس ، وتأجيرا لمدد طويلة وبأجرة رمزية للوكالة اليهودية، كي تقيم عليها المستعمرات ، وتبني عليها المؤسسات الرسمية مثل الكنيست على سبيل المثال ،وآخر عملية إعادة تاجير تمت مؤخرا لتسع وتسعين سنة ، علما أن العقد الأول ينتهي بعد أربعين عاما ، وقيمة التاجير 20 مليون دولار فقط وهو مبلغ رمزي ، وستنتهي المدة الجديدة عام 2150، ولعل في ذلك مفتاح الألغاز الكامنة وراء هذا التسريب الناجم عن التحالف الإستراتيجي بين الغرباء اليونان والصهاينة ، وصدق المثل القائل :الغريب للغريب نسيب.
الأغرب من ذلك أن ريع وأثمان كل هذا التسريب لا يدخل الخزينة الكنسية بل يذهب فسادا للبنوك الغربية وفي اليونان وقبرص بأسماء الرهبان اليونان ، بينما الرعية العربية الأرثوذكسية محرومة من الخدمة التي تليق بهم ، ومع ذلك فإنهم يرفضون تسريب أوقاف كنيستهم للعدو الصهيوني مهما بلغت الأرقام فلكيا لأنهم عرب أقحاح ولا يزاود على عروبتهم وإنتمائهم أحد.
خمسماية عام ويزيد أرهقت إخوتنا العرب الأرثوذكس في فلسطين والأردن على حد سواء ، وقد فشلت كل جهود الأجدادا والاباء لتحرير كنيستهم من الإحتلال اليوناني على الأقل ،بسبب خذلان الجميع لهم ، فلا الحكومة الأردنية وقفت معهم ولا حتى السلطة الفسلسطينية لاحقا دعمتهم، وأدى ذلك إلى هجران الكثير منهم للكنسية ولجوئه لكنيسة أخرى بحثا عن الكرامة المهدورة أولا وعن كنيسة تقدم لهم الرعاية الكنسية اللازمة.
بعد أن رفع الآباء الراية البيضاء مكرهين، بسبب الخذلان المتعمد لهم، ونجاح الرهبان في لعبة فرق تسد، ونسجهم علاقات مشبوهة مع بعض المتنفذينمن العرب المسيحيين الأرثوذكس الذين آثروا حماية مصالحم وتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب إخوتهم من الرعية، تسلم الدفة شباب أحسبهم يمثلون النبض العروبي الصادق الطاهر ، وقادوا السفينة في وجه التيار، الأمر الذي أدخل الرعب في قلوب الرهبان اليونان ومن تحالف معهم من الرعية ، ولكن الغريق لا يخاف من البلل، إذ توسعت دائرة الثورة العربية المسيحية الأرثوذكسية في الأردن وفلسطين لتشمل شبابا مخلصا من الرهبان العرب المخلصين لعروبتهم وكنيستهم المحرومين من خدمتها ، وشكلوا جبهة باتت تقراع الرهبان اليونان وحلفاءهم، وتقرع الأجراس عالية قرب آذان الجميع، وتشعل الشمعات وقادة قرب أعين الجميع عل وعسى أن يصحو الضمير ولو قليلا لإعادة الحقوق المنهوبة إلى أصحابها، وقد تعدت الأمور حدود المنطق بدعوة البعض المحسوبين على الرهبان اليونان الشباب العربي المسيحي الأرثوذكسي في فلسطين المحتلة للإنضمام للجيش الصهيوني كي يقتلوا إخوتهم من العرب المسلمين والمسيحيين على حد سواء.
الشباب العربي المسيحي الأرثوذكسي لن يكل أو يمل ، فهو لا يعرف التحالفات المشبوهة ، ولم يتربى على الغدر والخيانة ، فهناك حبل سري يربطه مع كنسيته ولن ينقطع بإذن الله،وإن الغد يحمل معه مفاجآت بالتأكيد لن تسر أعداء القضية العربية المسيحية الأرثوذكسية.