عندما يشعر النواب أنهم عاجزون عن التأثير في سياسات الحكومة أو قراراتها، وأن وجودهم مثل عدمه، فإن ذلك مؤشر على مأزق خطير في الحياة السياسية والبرلمانية.
إن فعالية أي مجلس نيابي لا تقاس بقدرته على الإطاحة بالحكومات وحجب الثقة عنها. لكن عندما لا يترك "السيستم" أي هامش للنواب لممارسة صلاحياتهم في السياسة العامة للدولة، وتتماهى السلطة التشريعية مع "التنفيذية" في كل صغيرة وكبيرة، فإن ركنا أساسيا من أركان الدستور يسقط في التطبيق العملي، وأعني مبدأ الفصل بين السلطات.
جلسة مجلس النواب أول من أمس، وما دار فيها من مناقشات حول موضوع أسعار الكهرباء، تستحق التأمل من أصحاب القرار. لقد كان النواب في حالة يرثى لها وهم يتحسرون على ما وصلوا إليه من ضعف وهوان، بعدما أخفقوا مرات في تحدي الحكومة.
كان بعض النواب يندبون حظ مجلسهم العاثر، وسقوط هيبتهم أمام ناخبيهم. لقد كانوا يتوسلون بالفعل لمنحهم ولو هامشا بسيطا للحركة، علهم يستعيدون بعضا من حضورهم الشعبي.
أنه لأمر مأساوي أن تصل الحال بنا إلى هذا الحد.
إن ما يجعل النواب غاضبين وخجلين إلى هذا الحد من عجزهم، هو قناعتهم الأكيدة أن قوة الحكومة وشعورها بعدم الاكترات حيال ما يقال تحت القبة عن حجب للثقة، مردهما دعم خارجي، وليس وجود أغلبية نيابية تحميها من السقوط.
يعتقد كثيرون، وأنا منهم، أن رحيل الحكومة في هذه المرحلة ربما لا يكون أمرا مفيدا للبلد. الظروف المحيطة بالأردن، وأجندة الدولة على الصعيد الداخلي، لا تبرران الإقدام على هكذا مغامرة. وما دامت الدولة غير جاهزة بعد لتطوير آليات تشكيل الحكومات، بانتظار قانون انتخاب جديد، فإن التغيير الحكومي سيكون مجرد لعبة "تدوير كراسي" جُربت لسنوات طويلة، ولم تحقق غايتها في الإصلاح.
بيد أن بقاء الحكومة واستمرارها لفترة أطول، ينبغي أن لا يكون على حساب هيبة السلطة التشريعية، ودورها. إذا كان المطلوب في هذه المرحلة تكريس مبدأ "التعاون بين السلطتين"؛ لضمان الانسيابية في عمل مؤسسات الدولة، وتنفيذ البرامج الإصلاحية، وإنجاز التشريعات المطلوبة، فإن من شروط نجاح ذلك التمسك بالندية، وسياسة الخطوط المفتوحة في الاتجاهين، واحترام استقلالية السلطات، وترك ديناميكيات العمل البرلماني تأخذ مداها بلا تأثيرات خارجية تكبح جماحها. بعبارة أخرى، يجب أن يكون "الدعم الخارجي" للطرفين، وليس لسلطة على حساب أخرى.
إن مجلس الأمة، ولاسيما مجلس النواب، هو حجر الرحى في مشروع الملك الإصلاحي؛ منه تنبثق الحكومات، واستمرارها مرهون بثقة أغلبية أعضائه. أين أصبحت هذه المقولة؟ وهل وجود مجلس نواب عاجز ومكسور الجناح يخدم برنامج الدولة الإصلاحي؟
ما من أحد لديه أوهام حول قدرات المجلس الحالي، ولا تركيبته الهشة. لكن هذا كله نتاج قانون انتخاب عضضتم عليه بالنواجذ، ودافعتم عنه بوصفه نقلة إصلاحية كبرى. وها نحن اليوم نخنق بأيدينا "المخلوق" الذي أنجبه هذا القانون.
حتى مجلس الأعيان الذي يضم ذوات الأمة، ويملك مصداقية ربما تفوق مصداقية "النواب"، تأبى الحكومة أن تمنحه الشيء القليل من حرية الحركة والتأثير، ولو بشكل محدود، في صناعة السياسات. ولنا في قانون الضريبة خير مثال.
لا نريد لمجلس النواب أن يحجب الثقة عن الحكومة، فالبديل غير متوفر حاليا. لكن، في المقابل، لا تلقوا به خارج الملعب على هذا النحو المهين.
(الغد)