اكتفى مندوب إسرائيل ببضع كلمات للتعليق على حفلة التصويت التنكرية في مجلس الأمن، قال إن الغباء هو ما دفع الفلسطينيين الى اتخاذ قرارهم، وهو بالتأكيد يعرف ان الفلسطينيين ليسوا أغبياء، وربما كان تلميذ احدهم في جامعة هارفارد او جورج تاون او كولومبيا، لكن لكلمة غباء في القاموس العبري دلالة اخرى، ولو حاولت قراءة ما دار في دماغ هذا المندوب لتوصلت الى ما يلي : وهو ان الفلسطينيين أغبياء لأنهم صدقوا ما وعدتهم به الولايات المتحدة منذ مدريد وليس انتهاء بالرئيس الذي أدخل -لأول مرة- لونا آخر الى البيت الأبيض، فقد وعد اوباما الفلسطينيين بالدولة قبل اربعة اعوام وكان هذا الوعد ضمن قائمة الوعود التي تصدّرتها قلعة جوانتانامو التي يعجز -حتى الروائي كافكا- عن استقصاء كوابيسها .
الفلسطينيون اغبياء لأنهم صدقوا ذوي القربى ممن قالوا لهم انهم سيضغطون على واشنطن او يعيدون النظر بتحالفهم معها، هذا النمط من الغباء لا يمكن فهمه إلا من خلال المعجم العبري لأن من وصف الفلسطينيين بالغباء قد يكون الأدرى بذكائهم، وعبقريتهم الوجودية في مقاومة الإبادة والتطهير العرقي لأكثر من ستة عقود .
ولو شئت اقتراح معنى آخر للغباء كما هو في رأي المندوب الاسرائيلي او قاموس لغته فهو ما يقوله المصريون لمن يصدق ما يسمع وهو « قلبك أبيض «، ورغم ان الفلسطينيين لُدغوا من عدة جحور آلاف المرات إلا أن أصابعهم لا تزال تجازف لعلّهم يعثرون على فراخ في العشّ .
اسرائيل في العمق، وبعيدا عن الميديا الملفّقة من غبار الخرافة وبرادة الحديد تدرك ان مشروعها هو قصة فشل، لأن رهانها خاب، والعشرة ملايين الذين يعيشون ويكدحون في وطنهم والشتات هم التكذيب المعنوي والعضوي لتلك الاطروحة الصفراء عن الارض بلا شعب !
لقد قالها ادوارد سعيد الذي رمى بالأصابع التي كتب وعزف بها حجرا من بوابة فاطمة على اسرائيل .. لهذا تطوع احفاد الاستشراق في اعلان الحرب عليه بدءا من برتراند لويس .
الفلسطينيون اغبياء من وجهة نظر عدوهم لأنهم صدّقوا الاقارب والأباعد، وصدّقوا ان ما يثرثر به الامبراطور العاري عن حقوق الانسان والعدالة هو كلام قابل للترجمة الميدانية الفورية، اما المندوب الغبي فهو الذي تصوّر بأننا لا نعرف ما دار وراء الكواليس وكم دولارا أو يورو كان ثمن شهادات الزور !!
(الدستور)