تراكض الاصدقاء والاهل والاقارب الى المستشفى للاطمئنان على صحة الزوجة والام والاخت والصديقة الغالية ريتا.. وقف الجميع وانا بينهم، ونحن في حالة من الذهول نتفحص وجوه بعضنا البعض بعد ان اكد الطبيب والمختص ان اختنا وصديقتنا وغاليتنا ابنة الخامسة والاربعين عاما ريتا خزوز مصابة بسرطان البنكرياس في مرحلته الثالثة المتقدمة وان جسدها النحيل لم يقوى على تحمل علاج الكيمو. رددت "ريتا" عبارة "الله كريم" عشرات المرات وهي تجيب على اسئلة واستفسارات من دخل الى غرفتها من الاهل والاصدقاء وهي على سرير الشفاء فيما كنت انا ابحث عن فسحة من الامل وانا اتحدث مع طبيبها المعالج....

كلمات الطبيب الرهيبة والمخيفة جاءت كعاصفة هوجاء دفعتني بقوة مذهلة الى بداية ثمانينيات القرن الماضي حين تعرفنا زوجتي وانا على عماد وريتا... كنا قد قدمنا للتو من الاردن الى ولاية مشيغن... وبدأت حينها رحلة الاخوة والصداقة التي عشناها على مقاعد الدراسة... في اللقاءات العائلية... والاجتماعية... في تواصلنا اليومي مع المجتمع الاميركي... في مداخلاتنا مع الجالية الاميركية الاردنية والعربية الاميركية... في رحلاتنا الى الوطن الغالي الاردن... في اول رحلة لنا معا الى العراق بدعوة من الحكومة العراقية التي كانت قد بدأت برنامجا لبناء جسور التواصل مع الطلبة العرب المغتربين في اوروبا والاميركـتين... الى رحلات الصيف المنتظمة الى معظم الولايات الاميركية مرة بالسيارة ومرات بالطائرة ومرات اخرى بالقوارب البحرية... في كل لحظات وساعات هذه السنوات التي مرت كثوان... كانت ومازالت ريتا مثالا للطيبة والمودة والروعة الاردنية السرمدية...

تكررت الفحوصات وانتقلت ريتا من مستشفى الى اخر وعاينها اطباء اختصاصيون اكدوا جميعا ان السرطان في مراحله الاخيرة، وان على ريتا التمتع بالحياة والابتعاد عن كل مايخلق التوتر والغضب وتقديم موعد زواج ابنتها "لمى" المقرر في الشهر التاسع من هذا العام الى بداية الشهر السادس، وهكذا كان...

شهر كأنه دهر مضى ونحن نتابع لحظة بلحظة تفاصيل معاناة ريتا مع هذا المرض اللعين، وكما اذهلتنا وهدت عزائمنا نتيجة الفحوصات الاولية التي اكدت اصابة ريتا بداء السرطان... ذهلنا واصبنا جميعا بقشعريرة فرح وسعادة لا يمكن وصفها ونحن نتابع نتائج الفحوصات الدقيقة التي اعلنت صباح هذا اليوم عن رحيل السرطان الى غير رجعة من جسد العزيزة ريتا.. هذا الرحيل الذي لا يزال يحير الاطباء المختصين الذين يجمعون بان اارادة الله منحت ريتا حياة جديدة. وفعلا ان الله كريم.
Williams@myacc.com