القانون لا يحمي المغّلفين .. !!
أ.د عمر الحضرمي
31-12-2014 07:02 PM
احترت كثيراً وأنا أحاول أن أعثر على تفسير ولو مترهّل لهذه المقولة، إذ وجدت أنها تعكس حطّاً كبيراً من قداسة القانون وطهره وعدالته، وتحوّله إلى مجرد نصوص شرسة، تكشّر عن أنيابها في إحدى الساعات لتجعل من المغفّل أو الساهي أو الغافل أو الجاهل أو المشدوه أو المكره ضحيّة سهلة للنصّاب والمحتال والبلطجي والزنديق الذي لا يخاف الله. بل وأنها تصوّر القانون بأنه في "مكان ما" يُشَرْعِنُ الدجل والكذب والقهر والاستقواء، ويعطي للافّاقين كل شهادات الطهر والبراءة والدعم والتأييد.
الكل منّا يعرف أن القانون لم يوضع إلا لحماية الحقوق. وأن الهدف منه ومن روحه أن يحمي الناس من ظلم بعضهم البعض، وأن يصون الكرامات الماديّة والمعنوية للبشر، ولكن ما تحمله هذه العبارة تفتح الباب، على مصراعيه، أمام الافتراء ومحاولة استغباء بعض الأفراد، واستغلال طهرهم أحياناً، وجهلهم وثقتهم التي يضعونها في بعضهم البعض أحياناً أخرى، وبالتالي أكل حقوقهم ظلماً وجوراً وبهتاناً.
قصص كثيرة يعرفها العديد من الناس تنطبق عليها هذه المقولة، وبالرغم من إقرار هذا "العديد" بأنّ القانون في هذه الحالة يخرج عن طهره ليصبح داعماً للجور والبهتان، إلا أن أحداً لم يحاول أن يرسّخ فكرة أن الحق أقدس من القانون، وأن القانون الذي يضعه البشر يظل ناقصاً بنقصان تمام الإنسان وكماله، وكم قرأنا وسمعنا ورأينا تعديلات للقوانين أو إلغائها، مما يعني أنها تجربة تظل ناقصة.
الكل منا لا يفهم معنى تمسّك البعض من أصحاب القرار بالنصوص والوقوف عندها! ولماذا لا نسمح بقراءة الواقع بعمق أكبر وذلك بالذهاب إلى روح القانون التي لا تتعدى ثلاثة كلمات "حفظ حقوق الناس"؟ ألم نسمع أن أحدهم قد أكل مال أخيه الذي استأمنه عليه لظرف ما، ووثّق هذا الاستئمان بورقة، كلا الطرفين يعلم علم اليقين أنها شكلية؟ لماذا نكتفي بالوثيقة الشكلية في الوقت الذي لا نلقي بالاً إلى حقيقة الموضوع، ونكتفي بالنزول عند أوّل محطة؟ لماذا لا نحاول أن ندقق أكثر؟ ولماذا لا نغلّظ عقوبات الاحتيال أو الافتئات، وأن نفتح مساحات ونوافذ وأبواب وآفاق أمام المزيد من التحرّي والاستعلام. الكل منا يعلم أن هذا من الصعوبة بمكان، ولكن من الأطهر والأنقى، أن تحكم بشيء ظاهره قانون وباطنة ظلم وجور، أم أن تتحرى وتستقصي حتى تصل إلى الحقيقة التي ترضي الله والناس أجمعين؟
من المعروف أن النار محاطة بالشهوات، وأن الجنة محاطة بالمكاره، ولكن أين تسكن السعادة؟ بدهيّاً لا أحد ينكر أن هناك ظَلَمة ومفترين وآكلين لحقوق الآخرين، ولكن هذا الأحد لا يغفل أيضاً عن أن هناك وسائل كثيرة يمكن أن توصل إلى العدل.
إن استسهال الوصول إلى "القرار" لا يبرر لصاحبه أن يكتفي باستطلاع طرف، وإن كان مدعوماً بالشكليات، ثم يحكم له، إنما المطلوب منه أن يتحقق من أن هذه الشكليات تتطاير أمام أول مرحلة من مراحل البحث الجاد والصادق والأمين. عندها الكل واثق أننا سنصل إلى مرحلة نلغي فيها مقولتنا هذه، ونستبدلها بمقولة: "إن القانون يحمي الجميع".