طيارنا الأسير، كيف نواجه الأزمة؟
31-12-2014 05:51 PM
"صحافي انتهازي، يبحث عن علاقة مع البغدادي ـ تجدد "أمجاده" علاقته مع بن لادن ـ بدأ حملة ضد الأردن؛ كل كلمة بدولار!"..
شُغل المحللون، وتتالت التسريبات حول ظروف سقوط الطائرة الحربية الأردنية في محافظة الرقة السورية، ووقوع الطيّار معاذ الكساسبة في أسر المجرمين الدواعش؛ غير أن كل هذا الركام من التوقعات ليس هو المهم؛ فالطيار الأردني الذي كان، في محضر التحقيق معه ، رابط الجأش، قال إن طائرته التي كانت تحلق على ارتفاع منخفض ـ بسبب طبيعة مهمتها في مسح الأهداف ـ سقطت ب" صاروخ حراري"، وأعلن أنه مستعد لمصيره البطولي؛ هذا المصير موضع خلاف داخل تنظيم المجرمين، ولم يتضح، بعد، القرار الداعشي حول استغلال الأسير الثمين.
من المؤسف أن تظهر بعض الأصوات التي تستجدي المجرمين، وكأن هؤلاء الوحوش يتأثرون بالاستجداء، مع أنهم قد يشجعون، برسائل خاصة، المستَجدين؛ فما يريدونه هو إذلال الأردن، وهز صورة الجيش العربي الأردني؛ أنا، بالطبع، أتفهم الدوافع العاطفية للأهل، لكن ينبغي أن تكون هناك إدارة حازمة لكل كلمة تصدر في هذا الموقف الحساس المتعلق بهيبة جيشنا ودولتنا وبلدنا.
أظهر أسر الطيار الأردني الشاب أن هناك تيارا بين ظهرانينا من الشامتين بجيشنا؛ هؤلاء (..) ليسوا اردنيين في وجدانهم العميق؛ فالأردني الحقّ ، من الموالاة والمعارضة، يُجلّ الجيش العربي الأردني عن كل إساءة؛ جيشنا هو عماد الدولة والهوية؛ ولذلك، فهو فوق النقاش.
الأسوأ يتمثل في موقف الإخوان المسلمين ـ وحلفائهم وتابعيهم ـ الذين أظهروا، مرة أخرى، أن حساباتهم التنظيمية الدولية هي فوق حساباتهم الأردنية، وكشفوا عن عمق ارتباطهم بالتيارات التكفيرية الإرهابية التي ترعاها قوى إقليمية متحالفة مع الإخوان؛ لقد وضع هؤلاء أنفسهم خارج الوطنية الأردنية، وانكشفوا، سياسيا وأخلاقيا، أمام أي قرار حكومي يتعلق بمصيرهم.
حزب الوحدة الشعبية (الجبهة الشعبية) ـ وهو حزب هامشي سياسيا وجماهيريا ـ نأخذه كمثال للأوساط التي يدور معها وفيها من أحزاب وأوساط، ونتوقف أمام بيانه المتستر بالتعاطف الإنساني مع معاذ الكساسبة، ولكنه يعكس روحا لا ـ وطنية، تكشف مواقفه الفعلية من الدولة الوطنية الأردنية، وجيشها العربي؛ وقبل البيان وبعده، تصلنا تعليقات المنتمين إلى ما ما تسمى " المعارضة " ـ المعارضة غير الوطنية ـ من طعن بالجيش العربي وتأييد للدواعش. كل مَن أساء ـ ولو بكلمة لجيشنا، وكل مَن أعلن أنه يؤيد داعش ـ ليس له حرية القول، بل من الواجب مثوله، بلا تأخير، أمام القضاء.
مثال آخر من الكتّاب، صحافي انتهازي، يبحث عن علاقة مع البغدادي ـ تجدد "أمجاده" علاقته مع بن لادن ـ بدأ حملة ضد الأردن؛ كل كلمة بدولار! إنها فرصة للكثيرين للتقرب من الدواعش، والتعبير عن الأحقاد الدفينة تجاه الأردن وجيشه.
بالمقابل، اندفع آلاف الشابات والشباب، والعشائر، وقوى الحركة الوطنية الأردنية، نحو لحظة اجماع وراء الجيش العربي، وخلف النسر الأردني الأسير؛ هنا، لا تكفي الهاشتاقات والفيس بوك الخ، ولا الزيارات التضامنية الخ، بل ينبغي تنظيم جهود سياسية للضغط على الدول والقوى الحليفة ل"داعش"، من جهة، واستنفار الوطنية الأردنية، من جهة أخرى، نحو إعادة الهيمنة على المجال السياسي والثقافي في البلاد، وانهاء حالة الفوضى والارتباك.
المناحات ـ مع تقديرنا للمشاعر الإنسانية والعائلية ـ لا تليق بالأردن والأردنيين؛ نحن دولة.. لا عائلات وعشائر، ونحن وطن جدير بكل التضحيات؛ ولا يجوز أن نظهرَ أمام أعداء الأردن، هذا الهلع؛ عندما نتشرف بالانتساب إلى الجيش العربي، فهذا يتضمن مخاطر الاستشهاد والإصابة والأسر. وهذا حادث متوقع طالما أن الجيش يخوض معركة.
الخلاصات:
أولا، " داعش" والمنظمات الطائفية والإرهابية هي عدوّ للشعب الأردني والشعوب العربية، وأداة تفتيت وتدمير للدول الوطنية ومكتسباتها؛ وخوض المعركة ضدها واستئصالها هو واجب وطني وعربي واسلامي وانساني؛
ثانيا، من غير المسموح به لأي جهة أو حزب أو حركة أو شخص، المساس بالجيش العربي الأردني، عمود الدولة والوطنية الأردنية؛
ثالثا، إن أي موقف يؤيد، علنا أو ضمنا، الإرهابيين، أو يتعاطف معهم، تحت أي شعار كان، مُدان كليا، وينبغي تطبيق قانون مكافحة الإرهاب بحق صاحبه؛
رابعا، إن جودة وسلامة وقوة السلاح هي حق للجيش العربي الأردني على الحكومات والخزينة، ولا يجوز الإبقاء على أي سلاح غير مؤهل بين أيدي ضباطنا وجنودنا؛
خامسا، إن المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد كيان الدولة الوطنية الأردنية، كبيرة ومتداخلة وحاضرة، بحيث لا يمكننا المغامرة بإرسال قواتنا البرية خارج الحدود؛
سادسا، أثبت التجربة أن كل سلاح متطور يتم تزويده لما يسمى مليشيات الاعتدال في سوريا، يذهب، عاجلا أم آجلا، إلى " داعش" و" النصرة"؛ ما يطرح ضرورة الانسحاب من أي ترتيبات للتعاون مع المسلحين في سوريا؛
سابعا، تمثل " داعش" و" النصرة" خطرا حقيقيا ماثلا على أمن الحدود الشمالية للبلاد، وإن مقاومة هذا الخطر لا تتم من خلال تدريب وتسليح .
ثامنا، المعركة ضد الإرهاب، في جوهرها، معركة فكرية وثقافية واعلامية، ما زلنا متأخرين عن خوضها؛ وكان ينبغي البدء بها قبل أي تدخل عسكري لضمان مساندة الرأي العام للعمليات، وتقبّل نتائجها؛
تاسعا، على المجتمع الأردني أن يدرك أن البلاد تعيش في اقليم مشتعل، وتواجه أخطارا جمة مما يضعنا أمام حقيقة لا مهرب منها هي أننا سنكون مضطرين للقتال وتقديم التضحيات؛
عاشرا، يتطلب كل ذلك، الانتقال، من دون حسابات سياسية ضيقة، إلى بناء جبهة وطنية أردنية عريضة،ـ وحكومة وحدة وطنية، تدير معارك الاستحقاقات المقبلة على كل صعيد.