في حمّى الاحداث المتسارعة حيث ما يطفو على السطح هو السياسي، صدر في محافظة البحيرة في مصر قرار بإنهاء خرافة الحاخام أبو حصيرة، وهو يهودي مغربي جاء الى مصر في نهايات القرن التاسع وسمي ابو حصيرة لاشتغاله في هذه الحرفة التي كانت سائدة في تلك الايام ودفن في احدى قرى مصر، لكن حكاية مسامير جحا التي تواصلها اسرائيل، حيث حوّلت قبر ابو حصيرة بعد معاهدة كامب ديفيد الى مزار يهودي، وبالفعل لم تنقطع وفود الزائرين ومنهم حاخامات الى تلك القرية واوشكت الاسطورة ان تكتمل في مناخ كان يتيح لها ذلك خصوصا بعد ان قال مناحيم بيجين وهو يقف بجوار الاهرام ان اجداده اليهود هم الذين شيّدوها، ولم تنقطع شكوى اهل تلك القرية من توافد اليهود الى قبر ابو حصيرة الذي جرى تحويله الى ضريح وأدرج عام 2001 باقتراح من وزير الثقافة يومئذ في الاثريات المصرية.
بالامس قررت محكمة مصرية في محافظة البحيرة انهاء هذه الاسطورة، وطالبت بشطب اسم أبو حصيرة من قائمة الآثار تبعا لما تحدده منظمة اليونسكو من تعريف لها.
هكذا خلع هذا المسمار من جدار مصري ولم يعد امام جحا اليهودي مجال لممارسة هذا الطقس الابتزازي الذي لا صلة له بالعقائد، فأبو حصيرة ليس نبيا او حتى وليّا، انه مجرد نسّاج شأن العديد من امثاله الذين كانوا يتنقلون بين الاقطار العربية في القرن التاسع عشر.
فما الذي سوف يترتب على هذا القرار؟ هل هو ادانة مصر باعتبار موقفها مناهضا للسامية جريا على تقاليد صهيونية طالما لوّحت بهذا الاتهام لمن لا يخضعون لأساطيرها وتعاليمها الملفقة؟ ورغم مرور عدة عقود على اتفاقية كامب ديفيد الا ان التطبيع في بعده الشعبي فشل وهذا ما تشكو منه اسرائيل بل تخشاه، لهذا فرح اهل القرية المصرية التي كادت تتحول الى ثكنة عسكرية اثناء قيام اليهود بطقوسهم حول ابو حصيرة، ذلك لادراكهم ان الاسطورة هي من نسج الخيال، وان ضريح هذا النسّاج هو مسمار جحا آخر يراد منه تكرار الزيارات وتأليف الحكايات حول رجل لم يكن سوى صاحب حرفة، عاش ومات شأن الالاف من امثاله في مصر والمغرب وشتى انحاء العالم العربي.
ان هذا القرار رغم صدوره عن محكمة الا انه ذو بعد سياسي ايضا، وبالتأكيد لن تواجهه تل ابيب بالصّمت، لأنها لا تحتمل خسارة مثل هذه الاساطير بعد ان بذلت جهدا كبيرا لتسويقها.
وأطرف ما في هذا الحدث ان قبر ابو حصيرة لم يكن قبل كامب ديفيد سوى مساحة صغيرة، ثم اصبحت مساحته بعد الاضافات عدة دونمات ولو استمرت الاسطورة فقد يتمدد ليبتلع محافظة برمّتها !!
(الدستور)