مقابلة الكساسبة؛ هل ثمّة رسالة؟!
د. محمد أبو رمان
31-12-2014 03:12 AM
ليس غريباً أن نجد تداولاً كبيراً وعاماً لمقابلة مجلة دابق الداعشية مع أسيرنا معاذ الكساسبة لدى التنظيم، على شبكات التواصل الاجتماعي، مصحوبا ذلك بتحليلات وقراءات عديدة من قبل الجمهور الأردني. فمنذ أسر معاذ، أصبح هو موضوع كل بيت وفرد وتجمع؛ فهو ابن الأردن والأردنيين جميعاً.
هل ثمّة دلالات ورسائل يمكن استخلاصها من مقابلة معاذ؟ من الواضح أنّ "داعش" يحاول إعطاء إشارة قوية حول خياره الأول مع الطيار الكساسبة، من خلال صورته.
مع ذلك، لا يمكن القول إنّ هذه هي النتيجة الوحيدة أو السيناريو النهائي، إذ من الضروري أن يدرك الرأي العام الأردني أنّ هذه المقابلة هي جزء من الحرب الإعلامية النفسية التي يتقن هذا التنظيم التعامل معها بجدارة، تتجاوز أعتى الماكينات الإعلامية العربية والغربية. وهو حتى في إظهار سلوكه المتوحش يكون قاصداً ذلك، عبر فلسفة "قلب الصورة الإعلامية"؛ أي التخلص من مظهر الضعيف إلى العنيف والقوي. وربما يكون هذا من أسباب "جاذبيته" لدى جيل كبير من الشباب السُنّي في سورية والعراق، والراديكالي الإسلامي، الذي يئس من الأوضاع العربية المحبطة.
إذن، هذه المقابلة ليست نهاية المطاف على صعيد سيناريوهات التعامل مع معاذ، ولا حتى على صعيد الحرب الإعلامية؛ بل من المتوقع أن تتلوها مقابلة مصورة أو أكثر. فبالنسبة للتنظيم، يمثل معاذ حالة مختلفة عن كل الأسرى الذين يتعامل معهم، إذ له أهمية خاصة، نظراً لصفته الحربية القتالية، وسيعمل التنظيم على استثمار ذلك إلى أبعد مدى في الحرب النفسية.
إذا تجاوزنا التوقعات السلبية، وتفاءلنا قليلاً، فإنّ البديل الواقعي المتاح إلى الآن، في ظل التسريبات غير الرسمية، يتمثّل في "صفقة" التبادل، على غرار صفقة الساعدي عقب اختطاف السفير الأردني في ليبيا. لكن هناك شحّ هائل وتعتيم كبير بشأن المعلومات المتعلقة بالموضوع. وهذا أمر طبيعي ومبرّر، من كلا الطرفين، الأردن وتنظيم "داعش". فلا نعرف فيما إذا كانت هناك بالفعل مفاوضات غير مباشرة بدأت، أو مبادرات مع أطراف وسيطة، سواء دول أو عشائر أو شخصيات!
على الأغلب، لا توجد أي نتائج واضحة إلى الآن. ويبدو، وهذا في سياق التحليل المحض، أنّنا ما نزال في مرحلة "جس النبض" عبر وسطاء محتملين، عشائر وأطراف إقليمية (على الأغلب الأتراك، الذين أتموا قبل فترة صفقة تفاوض كبيرة ناجحة مع "داعش"). لكن لا نعرف فيما إذا كانت الحكومة فكّرت في الاستفادة من علاقة بعض أقطاب التيار السلفي الجهادي الأردني بداعش (خاصة أنّ هناك أسبقيات أميركية في التفاوض غير المباشر بخصوص المعتقلين الأميركيين قبل أن يتم إعدامهم على يد التنظيم، وهو ما كشفه تقرير موسّع لصحيفة "الغارديان" البريطانية مؤخراً).
الصفقة ممكنة. ومبدئياً، فإنها ليست مستبعدة من حسابات الأردن. ومن الضروري أن نسارع إلى محاولة عمل المستحيل لإنقاذ الأسير، والتمسك بالأمل، ومحاولة الضغط على الوسطاء للإسراع، فعامل الوقت ليس في صالحنا. وفي الأثناء، من الضروري أيضاً أن نكون صريحين وأن "لا نرفع سقف توقعات" المواطنين!
ما تزال بيد الأردن أوراق متاحة، ولم يُقض الأمر بعد. ومن هذه الأوراق، العمل على توجيه رسالة واضحة غير مباشرة للتنظيم، تضعه أمام الخسائر المتوقعة في حال أقدم على عمل أخرق. وهناك أوراق يمكن بناؤها في عملية التفاوض غير المباشر الراهنة. وهناك طرف عراقي مهم مرتبط بالتنظيم يمكن الضغط عليه الآن، وتقديم أوراق لتقوية موقفه في الضغط على القيادة، خاصة أن المؤشرات تشي إلى أنّ هناك أكثر من رأي واتجاه داخل هذا التنظيم بخصوص مصير معاذ.
(الغد)