حمى التوجيهي .. والأنا العليا .. !
إيمان العكور
30-12-2014 12:43 PM
الخبر الوحيد في الاردن هذه الأيام والذي يوازي ان لم يتفوق على اخبار داعش هو الكابوس التوجيهي..!
فهو ينقض كل عام على معظم بيوتنا عنوة.. يسلب منا راحة البال والتفكير السليم.. يسخر ويكبت كل طاقاتنا في دوسيات محشوة بمعلومات ما انزل الله بها من سلطان..!
الأب يهمل شغله لان همه الوحيد نجاح الولد..!
الام تتوقف عن نشاطاتها الأسرية مع باقي أفراد الاسرة لانها مشغولة (بتسميع) المادة مع ابنها او ابنتها..!
قائمة الطعام تختزل في طبختين طوال فترة الكابوس اللعين.. او ما تيسر من المحفوظ داخل الفريزر لوقت الشدة..!
وهل يعقل ان تكون هناك شدة اكبر من التوجيهي في تاريخ الاسرة الاردنية الحديث..!
تمنع الزيارات والمكالمات الا المهم منها..!
صديقاتي يهجرنني طوال تلك الفترة لانها طوارئ وعلي ان أتفهم الوضع دون زعل..!
حتى وان حصل وتكلمنا.. يكن شاردات الذهن في عالم اخر..! خاصة عندما يتعلق الامر بمادة الثقافة العامة..!
كابوس لكل ام..!
لذلك كان علي ان اقرأ ما تحتويه هذه المادة.. كي لا اتهمهن بالمبالغة.. وخاصة عندما طلبت مني ابنة احدى صديقاتي ان ألقي نظرة على المادة لأرى بماذا ستفيدهم هذه المعلومات..!
زمان على ايام التوجيهي عندما قدمته انا وصديقاتي كانت مواد الرياضيات والانجليزي والفيزياء هي المواد التي يحسب لها حساب..!
لم تكن هناك ثقافة عامة.. ! اذا من هذه الثقافة العامة التي تربعت على عرش الرعب لدى الطلبة..!
وفعلا لم اصدق ما اقرأ عندما تصفحت كتاب الثقافة العامة..!
بالزبط اقل ما يمكن ان نطلق على تلك الموسوعة (مثل حوار الطرشان)..!
تخيلت الأسلوب الذي تم وضع الكتاب فيه.. اختيار مجموعة عشوائية من الأساتذة ، مع احترامي ، والطلب من كل واحد منهم ان يساهم بعشر صفحات من الثقافة العامة البائسة التي لا تعبر الا عن بؤسهم..!
نسيت ان أخبركم انه كان لابد ان لا يرى احدهم الاخر او يعرف ماذا يفكر او يكتب..!
وانطلقت عملية الإبداع..
طبعا واستنادا الى فكر كل واحد منهم تجد تارة نكهة مرٓة ذات طابع تاريخي ممل..!
ثم مساهمة ذات طابع ديني متشدد ومبطن اقرب منه الى الإفتاء التحريضي..!
ليعود احد الجهابذة بك الى عصر الحجر والرقع..!
فترى المعلومات ترميك مئات السنين الى تاريخ منقرض..
ثم فجأة تجد نفسك تائها بين زمن المخطوطات وطولها وعرضها ونوع الجلد والحجارة التي كتبت عليها.. الخ
وبعدها انت في زمن الحروب الأوروبية وأسبابها ومسببيها..!
ثم يطير بك الكتاب الى أسس الادارة الحديثة والعولمة والى الموارد البشرية ومهام الامن العام وبعدها الى أزمة الصواريخ الكوبية..!
ثم أسباب تصاعد الحركة الوطنیة الفیتنامیة لحربھا ضد فرنسا ؟
وتدخل الصین الشیوعیة في الحرب الكوریة ؟
ثم جزء كبير عن مخطوطات قمران والاسينيون.. بصراحة كانت معلومة جديدة لم اسمع بها ولكن ان يدرج سؤال ذكي ينم عن مدى ابداع واضعه يقول :
اذكر سمات الطقوس التي مارستھا جماعة الألأسینیون.
أ- الطھارة والتبتل.
ب- رفض المال ورغبات الدنیا
ج- الوجبات الجماعیة ( الأكل الجماعي)..
فعلا قمة الاستشفاف بالمستقبل وهيمنة العولمة..!
يعني وجبات الكنتاكي العائلية ( كانت آنذاك تسمى الجماعية ) لم تأت من فراغ ، بل ورائها عمق ثقافي تاريخي رهيب..!
كان بودي ان استمر في سرد وجبة اكبر من المعلومات ولكن بصراحة لم يعد راسي يحتمل ذلك التشرد والحشو..!
لا أنكر ان بعض المعلومات فعلا قيمة.. ولكن الغالبية للأسف مجرد حشو غير مدروس لمعلومات صدقوني لا تناسب هذه الأجيال.. لا تناسب عصر الثورة المعلوماتية التي تحضر لك اي معلومة بلمح البصر..!
احاول ان أتخيل منظر استاذ المادّة المسكين وهو يدرس طلبته مثل ذلك الاستخفاف.. انا متاكدة ان معظمهم يستحي أمام طلبته وهو يحاول شرحها..! ليس فقط لتدني مستواها الثقافي وابتعادها عن المنطق السليم الذي لا يعبر الا عن جهل وافق ضيق بل ايضا لانها عبء ثقيل على كاهله مهما حاول ان يبدع فيها سيسقط لا محالة..!
كان بالأحرى على القائمين على وضع المنهاج ( التوجيهي بشكل عام والثقافة العامة بشكل خاص ) ان يلامسوا الواقع.. ان يتخلوا عن تلك النمطية الجامدة التي أودت بنظامنا التربوي الى حافة الانهيار..!
كان الأجدى بهم ان يغيروا من مناهجهم لتتماشى مع التطور السريع في الحياة والمفاهيم
ان يوظفوا كوادر نفسية قبل طباعة اي كتاب ليكون المقياس لمدى ملائمة الكتاب لعقول هذا الجيل.. ان تكتب المواد بطريقة مشوقة وليس بالأسلوب الجامد الذي توضع به..!
يا عمي ان تسمحوا للأساتذة الذين يكتبون ان يجلسوا مع بعضهم ويناقشوا ما وضع كل بدلوه..!
بالمناسبة نسيت ان اذكر شيئاً واحداً من مادة الثقافة والذي اصبح موضوعاً للتنكيت بين الأمهات وهو (الانا العليا والسفلى).. هل يعقل وحدة كاملة تتكلم مع طلبة بهذا العصر عن مثل تلك الفلسفة المدرجة تحت عنوان المعرفة..وآية معرفة..؟ نصوص وضعت من قبل بعض المتشددين لتعبر عن آرائهم لا عن نظريات المعرفة ومدارس الفكر المختلفة..!
كيف تتوقع الوزارات المتعاقبة ان تحشو عقل الطالب بمثل كل تلك المعلومات المربكة ( والله وانا عم بقراها ما فهمت نصها )..وكيف ستفيده تلك المعلومات لاحقا في حياته العملية..!
ارحمونا..!
بدلا من كل ذلك الحشو الفارغ غير المترابط من المعلومات الذي ذكرني ببرنامج المنوعات والمسابقات بنك المعلومات، علينا ان نعلم الطلبة اهمية الارتقاء بمنظومة الأخلاق والعمل والانتماء والإبداع.. ان نلتقي مع عقولهم ومطالبهم وان لا نحاول ان نحبسهم داخل القمقم الذي عاشه اجدادهم وآبائهم.. ان نخرج من البوابة التقليدية لتلقي العلوم لندخل معهم عبر بوابة الإبداع ومماشاة التطور السريع في كل ما حولنا..!
اجلسوا مع الطلبة عند وضع المواد.. دعوهم يشاركوا في وضع الثقافة التي تهمهم.. وإلاّ فلتتركوا لهم مهمّة "تثقيف" أنفسهم، فهم بغنى عن الجواهر التي تقدمونها لهم في كتابكم البائس..!
ليس العيب ان نعترف بالخطأ.. ولكن العار ان تستمر وزارة التربية في تجاهل الامر وكان العرس عند الجيران..!
وبعيدا عن الثقافة العامة.. لا بد وان أشير الى مشهد استفزني اليوم.. صورة لإحدى قاعات الامتحان في مدرسة زوبيا الثانوية للبنين حيث تم حشر 267 طالب في قاعة واحدة.. الصغير مع الكبير.. مع مجموعة اكبر من الغفر فوق رؤوسهم.. هل هذه هي الاجواء النفسية المناسبة للامتحان..!
لا أنكر ان التراخي على مدى السنوات الماضية قد افرز جيلا من طلاب التوجيهي للأسف شبه امي حيث اصبح العنف هو الوسيلة للنجاح.. وانعدام الأخلاق وتدهور القيم السمة التي تلاصق امتحان التوجيهي..!
ولكن مع ذلك أيعقل ان يتم توظيف ٦٥٠٠ فرد أمن يوميا خلال فترة التوجيهي لضبط الالتزام بأخلاق العلم ومنع الفساد وسرقة تعب الآخرين..!
هناك خلل كبير.. ان الأوان ان نعيد التفكير بنجاعة هذا الكابوس..!
ان نخترع او نستلهم من تجارب غيرنا أساليب جديدة لقياس مستوى الطلبة.. وإلا فلنقرأ على أجيالنا القادمة السلام ، لان الغش سيبقى أسلوبهم للوصول الى ما تريدوه أنتم..
دعوا العائلة الاردنية تنعم بمراحل دراسة أولادها.. لا تزرعوا المزيد من الضغوط النفسية على الأهل والطلبة وعليكم..!
يا جماعة.. خلوني أشوف صاحباتي دون حواجز التوجيهي اللعين..!
الواحد مش ناقصه ضغوط..!