في هذا الوطن، كأن الاردنيين رضعوا "الكرامة" من أم واحدة.. ففي الشدائد والمحن تجدهم رفاق الدرب، ومستودع العشق، وسلاطين الموقف والكلمة..
في هذا الوطن، دمعة الكركية، هي دمعة الطفيلية والسلطية والرمثاوية والمعانية والعجلونية وباقي مدن المملكة.. هذه الدموع لا تنهمر بحكم الجغرافيا، ولابحكم الهوية الوطنية، ولا بحكم الدستور، بل بحكم أننا "أهل" قبل أن نكون على خريطة الامم مجرد "شعب" ..
فالشعوب تحكمها الدساتير والقوانين والانظمة، الا الشعب الاردني يحكمه القلب وشريان الدم والدمعة.. و"معاذ" ليس اليوم أسيرا فقط عند داعش بل هو أسير في قلب كل من قال أنا من هالبلد..
نعم اختلفنا على ضرورة المشاركة في هذا التحالف من عدمه، واختلفنا في كيفية مواجهة داعش هل بالحجة ام بالطائرة، واختلفنا بطريقة تعاطي الدولة مع هذا التنظيم هل بأمن الدولة ام بعقل الدولة…
لكننا، اجتمعنا جميعا على سجادة صلاة واحدة ندعو من عليها العلي القدير أن يعيد هذا الشاب الى أهله ووطنه سالما غانما، وان تكون هذه المحنة آخر مصائبنا..
"معاذ" لم يكشف لنا فقط المعدن الاصيل لهذا الشعب، بل كشف أيضا عن أننا نطيش على شبر ماء، وأن الدولة مثلما فيها الحكمة، فيها أيضا "الغباء" الذي قد يؤذي أسيرنا لا قدر الله.. كل ما قاله الجيش: إننا نحمل التنظيم سلامة اسيرنا، مع انه يملك الطائرات والدبابات والمدفعية، الا أنه لم يهدد بانه سيسلخ او يذبح أحدا.. بينما أشباه الاعلاميين منذ اللحظات الاولى لأسره أطلقوا أقذر العبارات والتهديدات بحق هذا التنظيم وكأنهم أبطال صاعقة وليسوا أبطال مايكروفونات..
حقيقة لم يتحلوا بأدنى درجات المسؤولية الوطنية في مثل هذه الحوادث.. يهددون داعش الذي عجز تحالف قوامه خمسون دولة وأكثر على إضعافه، بينما ابو "قرعة" هو اقوى من التحالف نفسه، فقد سمعته يقول بما معناه: شو "داعش" وشو "مرقته" ؟! … بصراحة طالما لدينا رجال صناديد مثل "أبو قرعة" أطالب رئيس هيئة الاركان المشتركة بان يرسله فورا في طائرة خاصة الى "داعش"، فنحن في مثل هذه اللحظات الحرجة بحاجة الى تضحيات من مثل هؤلاء، حيث مكان الاسير وليس على بعد ألف ميل من مكان الاسير.. وبدل ان يستفز التنظيم بعبارات قد لاتحمد عقباها.. دعه يتعرف على "داعش" شخصيا فقد يعود لنا حاملا التنظيم بشوال طحين !!
نكبر في أهل الاسير حسهم الوطني الصادق، ونكبر فيهم صبرهم، ونكبر فيهم كلماتهم العاطفية الموزونة في مخاطبة من أسروا ابنهم..
بينما وزير الاوقاف والمقدسات الاسلامية.. يغير موضوع خطبة الجمعة من الحديث عن عقوبة الاعدام الى مهاجمة التنظيم الارهابي "داعش" ..
الدولة تبحث عن قنوات دبلوماسية للتباحث مع داعش، وعالم الامة يصب البنزين على النار ويريد حربا ضروسا ضد هذا التنظيم. فأي ذكاء أينشتايني هذا ؟!!
في هذا الوطن، لم نعد نحتمل أسيرا بعد معاذ، ولم نعد نحتمل ان نطير في طائرات عفى عليها الزمن وأصبحت
"كوم حديد" !!
في هذا الوطن.. نريد "معاذ" نسرا فوق أعيننا، لا "دمعة" في أعيننا ؟!
(العرب اليوم)