معاذنا البطل وحسابات داعش الجديدة
د. عدنان سعد الزعبي
28-12-2014 03:55 PM
من اقوى الاسلحة التي تعتمدها الدولة في مواجهة تحدياتها والدفاع عن سياساتها ومسيرتها تكمن في توحد الرؤى والتوجه العام للشعب نحو اي قضية ذات صلة بهوية وكرامة وحاضر ومستقبل الوطن بحيث ينعكس على التفاف الشعب حول قيادته وتعاضم الثقة باجهزته ودوائره. و بالخطوات التي تتخذ في سبيل معالجة اي تحد يفرض وجوده على الساحة الاردنية والاقليمية, فالوعي الكامل بالمصلحة الوطنية وتقسيم الادوار لتقوم كل جهة بدورها بما فيها الشعب درع حصين من الصعب اختراقه ومن المستحيل تنفيذ المخططات المعادية امامه.
خضنا حروباً عديدة وقدنا شباباً كثراً وعاد شباب واجهوا رصاص العدو بالصدور والقلوب المفتوحة, واسألوا ارض فلسطين والقدس الشريف, اسألوا الجولان والحرم الشريف، اسألوا حطين وميسلون, اسألوا الارض كم خضب دماء ابنائنا ثرى الوطن الطهور.
رحم الله فراس العجلوني وموفق الطيار, رحم الله وصفي وهزاع ومن طالتهم ايادي الغدر والقتل والدمار فحناظلة الاردن ما زالت ارواحهم ترفرف فوق سماء عمان وما زال شهداؤنا وهم سادة الشهداء يرفعون كوفياتهم اجلالا لهذا الوطن. رافعة هامته خافقة رايته, فلا تنحني , ولا تذل ولا تركع الا لله, فهكذا شرفنا وهكذا هي كرامتنا التي ربانا عليها الوطن وتاريخه.
و اجهنا محناً كثيرة, وازمات اكبر وتعرضنا لارهاب ذي صنوف متعددة ووقعنا في مآسٍ متنوعة وكان سر صمودنا وتخطينا تلك الخمرة (ضم الخاء) التي غمست بدماء ابناء الوطن وجبلت مع كل ذرة من كيانه فتجلت مسيرة وفاق وتوحد نحو الاولوية الاسمى التي تعتبر بالنسبة لنا هدفاً اساسياً كما هو الحال الان بقضية الطيار معاذ الكساسبة.
خلاص شاب من ابناء الوطن اولويتنا التي لا نختلف عليها جميعا ! فمعاذ قام بمهمة رسمية وطنية وادى واجبا عسكريا كأي فرد بقواتنا المسلحة , استجاب للاوامر وامتثل للواجب وانطلق لما امر به بكل احترام. كون عقيدته في اداء الواجب وتحمل المسؤولية اساس الشرف المهني في حياته العسكرية .
ان اولوية الاجراءات التي نحتاجها في طريق فك اسر الكساسبة تكمن في معرفة واقع التفكير والذهنية التي تدور في ادمغة قيادات داعش ومساحة القبول التي تقبلها معادلة المصالح والابعاد الانية والمستقبلية لاي فعل يتصرفونه.
فداعش تدرك تماما ان اي خطأ تجاه الاردن سيكلفها الشيء الكثير خاصة وانها تعرف ان الشعب باسره يقف مع القيادة والحكومة في صف واحد في سبيل انقاذ معاذ الكساسبة وهي بهذا الفعل تمنع تكرار الخطأ الكبير الذي ارتكبه الزرقاوي عندما قام بالاعمال الارهابية التفجيرية عام 2005 , ففقد الشارع الاردني وتحول الى خصم ضنوا انه الاقرب له.
ان تركيبة افراد دولة الشام والعراق مزيج معظمه من العراق وخاصة السنة ومن ابناء العشائر العراقية وهناك جزء من ابناء القوات العراقية في عهد صدام, وهؤلاء هم الاكثر قدرة على اتخاذ القرار والاعرف بمضامين ردود الفعل الشعبية والرسمية لاي تصرف قد يصلون اليه وهم على دراية كاملة بدور الاردن ومواقفه المشرفة تجاه القضايا العربية والاسلامية وبخاصة قضية فلسطين وقضية العراق وغيرها وغيرها وكيف وقف ويقف الاردن صنديدا يدافع عن الدين والاسلام الحنيف مذكرين موقفنا ابان 11 سبتمبر عندما خاطب الملك العالم باسره ومن بوابة الكونغرس عن وسطية الاسلام وسماحته واعتداله تبعتها خطابات الامم المتحده وعواصم صنع القرار العالمي.
الفكر الاردني الذي الذي انطلق بثوابته واستراتيجياته من مبادئ الثورة ضد التتريك والاساءة للاسلام وتشويه صورة العربي والمسلم وقاد جيشه بطولات ضد الاستعمار والظلم ودافع بكل قواه عن مقدسات الاسلام وحارب اليهود بكل ما اوتي ودفع من حق شعبه بالعيش والرفاه والتمتع بالدنيا كغيره من شعوب العالم العربي والاسلامي والدولي كل ذلك مواقف مشرفة لا يمكن ان لا تكون موجودة في حسابات كل من يريد التفكير بالاردن او باحد ابنائه.
داعش يدرك الآن ان اللعب بالنار على ورقة معاذ سيؤدي الى تغيير استراتيجية التحالف والتصميم على محاصرتها خاصة بتجفيف مصادر التمويل والضغط باتجاه الجهات التي ترعى داعش جنبا الى جنب مع تقوية دولة العراق والبشمركة وتسليحها بعد ان خصص الكونغرس مليار دولار لذلك وتوحيد موقف دول الخليج جميعها لمحاربتها اضافة الى وضع استراتيجية ميدانية لانهاء تنظيم الدولة.
حسابات متعددة واعتبارات كثيرة تقفز امام قادة داعش في اي قرار يريدون اتخاذه. فمعاذ ليس كالصحفيين الذي قتلوا على يد داعش , لان الاساءة الى معاذ يحتاج عندها الى اجوبة منهم وبشكل علني وصريح من هم ؟ ومن اتى بهم؟ وماذا يريدون من الاسلام والمسلمين. فوالد معاذ ناشدهم بروح الابوة الصادقة والاسلامية السمحة التي عفا بها الرسول صلى الله عليه وسلم عن اهل مكة يوم الفتح العظيم خاصة وان الاساءة لمعاذ لا تحقق لفلسفة داعش وقادتها اي منفعة او مصلحة.
ان الاساءة لمعاذ تعني موقفا اردنيا متكاملا ينهي وجود اي تعاطف معهم ان وجد وبنفس الوقت يؤلب الكبير والصغير الشيخ والصبي الذكر والانثى تجاه اي تصرف قد يسيء بالاساس لسمو الروح الاسلامية في التعامل مع الاسرى, فمعاذ شاءت الاقدار ان تتعطل طائرته ويقع بين يديهم. يجب على داعش ان تعرف ان لها انصاراً في الاردن وان لها محكومين في سجون الاردن, وان مصلحتها العظمى في التعامل مع معاذ معاملة الاسرى وبالشروط التي طبقها الرسول الكريم على الاسرى في معركة بدر , فالاوجب على ادارة داعش ان تتقن لغة الاستثمار والاستفادة الكبرى من هذا الوضع , وليس بعيدا مطالبتهم بالشخصيات الهامة التي حكم عليهم في الاردن اضافة لتحرير ساجده العراقية التي قادة حملة تفجيرات عمان تلميذت شيخهم ابو مصعب الزرقاوي.
فهل ستشهد الايام القادمة تصرفا عقلانيا لقادة داعش وهل ستبعث داعش برسالة قد تثير التساؤل بين المسلمين جميعا ام ستسيء التصرف وتبعث برسالة لا تعكس سوى قصر النظر والتفكير وسودواية الرؤى. لا شك ان الايام القليلة القادمة سوف تشهد نتائج دراماتيكية في هذه القضية.معاذ مثلي ومثل باقي البشر الذين كتب الله لهم ارواحهم في اللوح المحفوظ فهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فمنهم من مضى ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا صدق الله العظيم.. فلنتق الله ولنتوكل عليه فهو خير الراحمين..