الأردنيون يتلاحمون من جديد
28-12-2014 03:38 AM
قلما نجد قضية ما يجمع عليها السواد الأعظم من الشعب حتى في القضايا التي تمس حياتهم مباشرة ، فدائما هناك رأي أو آراء أخرى ، وهناك وجهات نظر متعددة ، وهناك قضايا خلافية أو اختلافية ، ولكن في القضايا التي تمس صلب الأمن الوطني و تهدد وجودية الوطن واستقراره والمساس بكرامة الشعب يعود الأردنيون الى الالتفاف من جديد نحو الفكرة الأولى والقاعدة الرئيسة التي تأسست عليها الدولة وهي مساندة المشروع الوطني والحفاظ عليه لأن هذا هو الأساس المصيري للشعب الأردني من كافة أطيافه وأصوله وفسيفسائه العرقية والدينية والجغرافية ، فالجميع يعلم أهمية أن يكون هذا الوطن مستقرا آمنا رغم كل المآخذ على بعض السياسات الحكومية أو الحيف الذي يلحق بفئة أو شريحة أو حتى جميع الناس.
قضية وقوع الطيار معاذ الكساسبة لم تعد مجرد حادثة سقوط طائرة حربية وفقدان قائدها سالما بحمد الله ، بل أصبحت قضية رأي عام توحد في خندق الوطن رغم التفسيرات والآراء تجاه القضية ، ولعل هذه «الضارة» هي النافعة التي تعيدنا الى لحظة التنبيه عند فقدان سيطرتنا على البوصلة الوطنية ، حينما تخندق البعض في فنادق وسرادق الآخرين الذين كانوا في أحضاننا وينتفون شعر شواربنا ، ويشتمون مؤسساتنا ويهددون رغم قلة حيلتهم مكوننا الاجتماعي والسياسي.
في الأيام الماضية استطلعنا ورصدنا العديد من الآراء والفعاليات التي اجتاحت البلاد الأردنية فوجدناها أجمعت على حماية الطيار الأسير ، وبين كل أولئك الناس الطيبين قلما وجدنا من يخالف الرأي الجامع بناء على فكرة عدم المشاركة ، ورغم حق الجميع بما يعتقدون ، فإن مصير الطيار هو مصير كل أردني نتغنى به دوما ، أو نشكك في إرادة الحافظ عليه أحيانا ، ولأنه أحد منتسبي القوات المسلحة فعلينا جميعا أن ندعم معنويات خلية القيادة ، كي تبقى مستمرة في أدائها لاستعادة الرجل وعودته سالما.
المفجع في الأمر هو أن هناك من أبناء دمنا ولحمنا لا يزال يعيش معنا مثل الفيروس المحمول يترصد لحظة غفلة أو نقص مناعة ليهاجم بكل وقاحة وحقد ، فهل يعقل لمن يعلن دوما أنه من «أهل الله» وخاصته متعبدا يخطب في الناس أو يكتب لهم أو يطرح نفسه بديلا سياسيا واجتماعيا أن يحمل كل ذلك الفكر المتوحش والرغبة في سفك الدماء وتفريق الصف وبث الفتن وتأليب الناس على فكرة وجودهم الاجتماعي والسياسي ، وقد ظهر ذلك في قضية الطيار الذي لم يراعوا فيه إلاً ولا ذمة ولا حق أسير.
ورغم سيل التحليلات والنقاشات التي رافقت الحادثة واحترامنا لجميع الآراء المختلفة ، يبدو أن هكذا مناسبة تفتح الباب للراغبين في طرح أنفسهم من جديد على الساحة وبمسميات جديدة كمحللين سياسيين وخبراء استراتيجيين وباحثين في قضايا الجماعات الإسلامية الى آخر قائمة النياشين الوهمية ، الذين يظهرون على شاشات التلفزة المختلفة بناء على علاقات خاصة ليهرفوا بما لا يعرفوا ويكتبون ما لا يعلمون ويسوقون لسيناريوهات مفترضة لم يفكر بها أحد ، وينشرون معلومات غير صحيحة ، وكل ذلك للاستعراض وحب الظهور ، ولا يعلمون أنهم يربكون المشهد ويضللون الشعب ، ويدعمون فكرة اللجوء الى خيارات مرفوضة أصلا ، وهذا يجب أن يتوقف.
فيما مضى من السنين العشر الأخيرة كانت الأحداث في العراق تهدد الأمن الوطني الأردني بأكثر مما نراه اليوم ، ومع هذا استطاع الأردن بفضل خلاياه الأمنية والإستخبارية من بناء حائط صد منيع ضد الكثير من الجماعات والعصابات والمليشيات التي خططت لضرب العديد من البنى الوطنية وأكثر من ذلك بكثير ، ولقي العديد منهم جزاءهم بكل يسر وصمت ودون بلبلات واستعراضات ، ولم ينل منا أحد من الخارج سوى العملية الإرهابية المفجعة التي خطط لها ونفذها واحد من أبنائنا المختلين دينيا وفكريا وهي أحداث الفنادق قبل عشر سنوات ، ولذلك يجب العودة الى المربع الأول للعمل الأمني الخارجي.
محصلة القول حتى هذا اليوم من الانتظار إن الطيارالكساسبة رغم ضبابية السيناريو فهو أسير بحكم الشرع الإسلامي قبل نصوص الإعلان العالمي ، والأسير يحرم قتله أو المساس به أو تجويعه وترهيبه ، وهذا من ألف باء الإسلام ، ولأن أعلن تنظيم داعش أنهم فئة مسلمة فليقرأوا القرآن وسنة النبي عليه السلام ، ولكن المهم أن لا ننجر خلف خلافاتنا فالأردنيون توحدوا برأيهم على معاذ ، وعلينا أن نعيد قراءة المشهد رسميا وندقق في حساباتنا للمستقبل ، فلسنا بأقوى من فرنسا وإنكلترا والولايات المتحدة.
(الرأي)