الإحصاءات التي نشرت تباعا بمناسبة العام الجديد عن أعداد المسيحيين العرب الذين هُجّروا تعدّ بكل المقاييس الإنسانية والقومية كارثية، فقد فرغت أو أوشكت أن تفرغ منهم مناطق عاشوا فيها آلاف السنين كما هي الحال في العراق، فالكنائس هذا العام يرشح الحزن والصّمت من أجراسها، وقد تبني فيها الطيور أعشاشا كي تشهد على أن الغربان لن تستفرد بالفضاء، فأعداء الأرض والسماء معا احتفلوا هذا العام على طريقتهم، بذبح البشر ومطاردتهم والتهام لحوم أطفالهم نيئة، والاتجار بنسائهم وأعضائهم تحت شعارات يقطر منها الدم والكذب .
تماما كما احتفلوا بالعيدين الفطر والأضحى بما استبدلوه من رقاب الخراف برقاب الناس، والحزن هذا العام يمتد كخيط من البنفسج من بيت لحم المحاصرة وكنيسة القيامة التي يُصلب فيها السيد المسيح مرة اخرى الى الشام والعراق، حتى في ليبيا عبر أعداء الأرض والسماء عن وحشيتهم بذبح عائلة قبطية من مصر، فالسكين الأعمى يؤاخي بين ضحاياه من مسلمين ومسيحيين، لهذا فإن الارهاب المدجج بكل هذه الكراهية يأكل نفسه، ويرتد عليه رصاصه وكل ما يقترفه من جرائم، وحين يعلن الاردنيون جميعا ان الطيار الشاب الاسير معاذ هو اسم حركي لكل ابنائهم وانه في كل بيت من بيوتهم فهذا احد الرّدود المتوقعة على إرهاب يصرّ على الانتحار .
انها سنة مذبوحة الرأس والدم ينزف من كل لياليها؛ لأن القتلة وأعداء الأرض والسّماء لم يصلوا الى مكان الا وحولوه الى مأتم، وكل ما حصدوه حتى الآن هو توحيد ضحاياهم وورثة الدم ضدهم، بأنْ أصبحوا مطلوبين أحياء أو موتى لكل يتيم وثاكل وأرملة من أبرياء لا ذنب لهم سوى الإقبال على الحياة والانحياز للشروق ضد غسق الاحتضار والظلام .
ولو استطاعوا لحوّلوا كل أعراس العالم الى مآتم، وكل متاحف العالم ومعابده وجامعاته إلى أطلال؛ لأنهم غربان تعشق الخرائب ولا تستطيع النعيق إلا فوقها .
سنة ذبيحة الرأس، لكن التاريخ لا يُختزل الى عام او عقد او قرن، ولو استطاعت سلالة الخفافيش ان تنتصر في التاريخ لما كان العالم الآن حيث هو، لكنهم موجات تتكسّر تباعا وتظهر موسميا كي تعيد الناس الذين تناسوا الجهة التي تهب منها رياح السموم إلى رشدهم ..
سنة ذبيحة الرأس لأن الصمت المبلل بالدمع ينزف من أجراس كنائسها !
(الدستور)