من أين نبدأ .. وما العمل؟
جمانة غنيمات
28-12-2014 03:25 AM
بسبب الإهمال الذي تواصل من قبل حكومات كثيرة قصّرت في أداء واجباتها؛ فقد كان أن بلغ العديد من المشكلات التي يعاني منها البلد، حدا من التراكم والتفاقم صار يصعب معهما وضع وصفة واحدة لحل سريع وفعال لهذه المشكلات التي يقاسي بسببها العباد، وتهدد هوية الأردن العريق بإدارته ومدنيته.
وتجد كثيراً من رؤساء الحكومات الذين تسببوا بمشاكلنا يجلسون إلى طاولة الملك، يبثون شكواهم، حالهم حال أي مواطن "غلبان" متضرر من نهج الحكومات.
ففي لقائهم مع الملك، قبل أيام، نُقل عن رؤساء الوزراء السابقين شكواهم من تردي التعليم المدرسي والتعليم العالي، ونظام النقل العام المزري وغير اللائق، كما تحذيرهم من الفقر والبطالة.
وتجدهم أيضا يشكون من ارتفاع المديونية العامة، مع أنهم بسياساتهم إبان إشغالهم المنصب العام كانوا أحد أهم أسبابها.
مع ذلك، يظل ما قاله الرؤساء صحيحا بالتأكيد. واليوم، لا يمكن النظر إلى كل القطاعات من دون الخروج باستنتاج بدهي، وهو أن أياً منها لا يخلو من علل، علاجها طويل ومكلف ومضنٍ.
أياً يكن، جاءت حكومات عديدة ورحلت، لكن كان كل ما فعلته، بالعموم، هو تعظيم مشاكلنا وزيادة حدتها. ثم ترى رؤساءها الآن يشكون من هذه المشكلات، وهم فوق ذلك عاجزون عن تقديم حلول لما اقترفت أيدي كثير منهم.
نظرة بنورامية للمشهد تجعلنا نرصد أكثر من عقدة ضمن مشاكل مختلفة، وصلت حدودا لم يعد ينفع معها العلاج السريع، بل وحتى إمكانية إعطاء وصفة بعلاج متوسط المدى، بسبب صعوبة الحال: الصحة، النقل، العنف والتطرف، رفض الآخر وعدم امتلاك مهارات الحوار، تراجع سيادة القانون، ضعف أدوات الحكم الديمقراطي والمشاركة، ضعف الأحزاب، غياب العدالة وتساوي الفرص، تراجع الحريات، الفقر، البطالة وتدني المداخيل، تراجع البحث والدراسات ودور مراكز التفكير، وغير ذلك الكثير.
هكذا، وفي ظل تعاظم التهديدات وتزايد الضغوط على الأردني بسبب الأوضاع الإقليمية أيضاً، تتعمق حالة عدم الرضا التي وصلت حد الاكتئاب الشعبي. ولا خيار إلا إيجاد دواء يحاصر أمراضنا، ويخفف من أوجاعنا.
لكن بعد كل ما بلغناه، يبدو أن العلاج سيستغرق وقتا طويلا، فيما لم تعد كافية المسكّنات التي لن تؤدي إلا إلى استفحال الأمراض. والعلاج المطلوب والحتمي ربما يشمل ضمن إجراءاته ومتطلباته، عمليات جراحية، تولّد مزيداً من الألم، إنما المؤقت في هذه الحالة إن ووجه بالصبر. كذلك، ومن حيث إنه علاج طويل المدى، على صعيد المشكلات التي يواجهها والأهداف المرجوة منه، فلا بد أن يكون علاجاً ممتدا، لجيل كامل ربما.
من أين نبدأ وما العمل؟
نبدأ من حيث انتهى "الربيع العربي". فالأردن يكاد يكون البلد الوحيد الذي اجتاز الامتحان رغم قسوته، وعبر الأمواج العاتية بسلامة، في انعكاس كبير لمدى رسوخ المملكة وقدرتها على تجاوز الأزمات، ليس بفضل حكمة الدولة فحسب، بل أيضاً نتيجة تمسك الأردنيين بأمنهم واستقرار بلدهم.
الحل الحقيقي لن يبدأ إلا بعد قياس مدى قدرة المؤسسات التشريعية والتنفيذية وغيرها، على اختلاف اختصاصاتها ومهامها، على أداء المهام المطلوبة منها وإحداث الفرق. إذ يعاني بعضها من ضعف كبير، ولربما عجز عن تقدير حجم التحدي القائم.
بعد ذلك، تأتي مرحلة التشبيك والاتفاق على التشخيص الحقيقي للحالة، وصولاً إلى التوافق على الحلول التي تخلق واقعا أفضل للأجيال الحالية، وتصنع مستقبلا أفضل لأبنائنا وأحفادنا؛ فالتخطيط للدول وتطورها أعمق بكثير مما تظن حكوماتنا.
والأهم في البناء على ما هو موجود رغم العيوب الكبيرة، تجديد النخب التي تدير البلاد، وإعادة تشغيل قنوات صناعتها المعطلة، وتوفير بوابات جديدة لذلك. إذ إن غالبية النخبة الحالية تبدو عاجزة عن تشخيص الحال وتقديم حلول نافعة، وهي في أحسن الأحوال تقدر على تشخيص المشكلة، لكنها تعجز عن مواجهتها وعلاجها.
(الغد)