حثّني اكثر من صديق على متابعة ما ينشره او يردده شاب تطلق عليه الفضائيات داعية اسلاميا، وله مريدون ومتابعون، وخاصة من فئة الشباب، نقل على لسانه انه يحرّم معايدة المسيحيين في عيد الميلاد.
ذهبت الى صفحة امجد قورشة على الفيس بوك فوجدت لغة اقل ما يقال فيها انها مُنفّرة، تدعو للكراهية، ولا تتقن فن رسالة المحبة والتسامح.
في عنوان مادة منشورة على صفحته يردّ فيها على بعض منتقديه، انقل لكم فقط العنوان: "ظاهرة التناقض عند بعض "الممتلئين بالمحبة" و "محبي السلام" والمحسوبين عليهم من المتأسلمين!!!…طبعا قورشة يتهكم على اصحاب مبادئ المحبة والسلام، الى ان يصل الى المتأسلمين، وفي هذا لغة تكفير وتقسيم للمسلمين بين مسلم حقيقي ومسلم متأسلم.
الاسوأ؛ هو التنبيه الذي وضعه قورشة اسفل مقالته يقول فيه: (تنبيه: هذه الآيات موجهة فقط للمسلمين، فأرجو ممن اتخذ "الحداثة والحداثيين" أو "العلمانية" أو "القومية" أربابا من دون الله أن يذهبوا الى آلهتهم وأربابهم وان لا "يتفلسفوا" في كلام ربي والكلام موجّه كذلك الى "الدلاليع" و "الطنطات" من "مسوخ" المتأسلمين الذين اتخذوا مُثُلهم العليا من الراقصات والمغنيات والممثلين من الساقطين والساقطات.
اذا كانت هذه لغة شخص يصنف نفسه على انه داعية، فلا استغراب من اجتهاد بائس عندما يفتي بتحريم معايدة المسيحيين في عيد الميلاد، وتحريم صور المسلم قرب شجرة عيد الميلاد.
مَن على شاكلة قورشة كثير من الوجوه الذين تزدحم بهم فضائيات بهُويات دينية، وهم ابعد ما يكونون عن الدين الى محاولات الوصول الى الممثلين الذين يتهمونهم بالساقطين والساقطات..!!، يطلقون لحى خفيفة، ويرتدون بدلات انيقة على اعتبار انهم دعاة شباب، وهم لا يختلفون عن اي مشايخ جاهزين لإطلاق فتاوى حسب الطلب والمقاس، في سوق الفتاوى المعروضة للبيع، فتاوى دينية، فتاوى سياسية بلباس ديني.. وفتاوى دينية بلباس وطني.. الخ.
إحصاء الفتاوى الفضائية "النُّص كُم" للأسف غير ممكن، لتعدد الفضائيات التي تفتح هواءها لكل من يطلب الفتوى، ولكثرة مُدّعي المشيخة الذين يضطّلعون بالمهمة، في سلسلة طويلة من الفتاوى الغريبة العجيبة.!
لكن وبرغم هذه الفوضى لا يجرؤ شيخ دين معتدل ومتنور على نقد أو تفنيد فتوى أصدرها غيره، على الرغم من تفاهة بعض الفتاوى.!
الذي لا يعرفه قورشة وغيره، ان العلاقة بين المسلمين والمسيحيين ــ في الاردن على الاقل ــ هي اكبر واعمق من الالتفات الى ترّهات وتفاهات تطلق على عواهنها من دون حسيب او رقيب.
اذا كانت فتوى قورشة قد حظيت باهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، فليس مردّها اهمية الشخص، وانما حساسية لغة الكراهية التي اطلقها، وهي لا تحتاج باي شكل من الاشكال الى ردود عن العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، فهذه قضية محسومة، لكنها تحتاج الى تكريس مفهوم المواطنة، وان المواطنين جميعهم لهم الحقوق والواجبات كافة، وتخطئ الجهات القانونية والتنفيذية ان تركت اي انسان يبث لغة الكراهية بين المواطنين الاردنيين بغض النظر عن دينه او معتقده او مذهبه.
كما تخطئ اكثر ادارة الجامعة الاردنية إن هي ابقت ثلاثة اشخاص من بينهم قورشة يتصدرون موقعها الالكتروني، يتحدثون كدعاة اسلاميين، ويساهمون في صناعة التطرف، بينما يُنتظر من الجامعة ان تقدم علماءها في الفيزياء والاجتماع والسياسة والادارة….، على باعة الكلام.