منطقة حكومية خاصة : ممنوع الاقتراب او التوزير
د.عبدالفتاح طوقان
13-03-2007 02:00 AM
لن يتخيل احد ان "بزاري" هو مصطلح قد يتفق البعض على اطلاقه على" منصب" رئيس الوزراء في الاردن و ليس على الشخص نفسه. و "بزاري" في اللغة الانجليزية تعني غريب ، غير متوقع ، عجيب وهي ايضا شركة بريطانية متخصصة في تطوير العاب الفيديو اشتهرت بالعاب السيارات الفورميلا ، و في كندا "بزاري" مسلسل كوميدي من بطولة النجم جون باينر. و في لغتنا الدارجة "بزاري" تعني نوعية اقل من متوسطة . و كل من تلك التعاريف للكلمة قد يجد المحلل السياسي منها ما يتناسب مع المنصب و ما يتعارض في تاريخ التشكيل الحكومي من رشيد طليع و الى معروف البخيت .
و "تحت البنديرة " تعنى انه سهل التطويع ، حاضر لتنفيذ اي شيء فورا دون تفكير ، او كما يقولون " في "الجيب " او على " قد اليد " في المصطلحات الشعبية الدارجة . و البنديرة هي سقف التاكسي الزجاجي . و كلا التعريفات " بزراي " و " تحت البنديرة " غير مقبولين في عصرنا اليوم .
تصنيف رؤساء الوزراء
و قد يتجه البعض على تصنيف رؤساء الوزراء الى درجة اولى و ثانية و ترسو " و هي كلمة ايطالية تعنى اخر الدرجات في تذاكر ملاعب كرة القدم" . فيما يحاول البعض ان يضعوا كل الرؤساء في سلة واحدة من التفاح و التى تجعل مجرد الاقتراب منها و الحديث عنها تذكرة خروج و ابعاد تماما مثلما حدث مع القصة الشهيرة التاريخية لادم و حواء.
و لكن لم يجرؤ احد على تقييم درجات الرؤساء و تصنيفهم في الاردن باستثناء ما يطلق عليه "برنامج مراقبة اداء الحكومة خلال اول "مائة يوم " و هو مقال يكتبه احد الصحفيين و من ثم ينقلب على الحكومة مع اول اشاعة للاطاحة بها . كما توجد دراسة تقوم بها لمرة واحدة او اثنتين مراكر دراسات ، و هي في العادة على عينة عشوائية و تخلص دوما الى نتيجة مرضية بنوعية "المؤيد" للحكومات ، ولا يمكن اعتمادها و البناء عليها لتطويرعمل الحكومات حيث تخلو من مؤشرات الاداء و نوعيات العينة و اعدادها بسيطة للغاية .
و غياب الرقابة و التقييم و الانتقاد الحر للحكومة يؤسس لحالة عقم في الفكر و يسهل العرى السياسي لمشروع بناء حكومة ديمقراطية .
العديد من اصحاب الكفاءات لديهم طموح مشروع لتولى مناصب قيادية في الدولة الاردنية و لديهم المقدرة على ادارة مجلس الوزراء و من خلفيات متعددة سواء كانت سياسية او اقتصادية او مهنية و لكنهم مدرجون ضمن برنامج "المقاطعة ".
و السبب لمقاطعتهم غياب العلاقة مع الاجهزة المعنية بالتوزير و هي مختلفة و متشابكة ، عدم وجود العاب مشتركة مع الرئيس سواء كان صيد الطيور في الازرق او لعب "الهاند و الترنيب " ، غياب شجرة العائلة الوزارية (بمعنى ان الاب او والد الزوجة ليس وزيرا سابقا او رئيس حكومة ) ، عدم التواجد في مناطق الترفيه التى يرتادها المسؤول ، عدم الانضمام الى تنظيمات ضد الدولة و من ثم العفو عنهم ، غياب العنصر المالي و الثراء لشراء المنصب ، غياب المصالح المشتركة في الاعمال مع رئيس الوزراء ، هذه الامور و غيرها تضع العديد من ابناء الوطن الاكفاء في خانة " ممنوع من الاقتراب او التوزير".
منصب الوزير غير مغري
لم يعد منصب الوزير مغريا لا من حيث الصلاحيات او من الراتب او الوجاهه او الفعل ، فقد مر عبر العصور وزراء كانوا يعتقدون انهم جزءا من الحكومة ليكشفوا ان القطار توقف و تم انزالهم من مسيرة ، او ان السائق قد اخبرهم انهم اقيلوا ، او انهم قد قرأؤا خبر الاستقالة في الجرائد . و اصبح الوزير يأتي من متحف الشمع ، لمجرد الصورة ، و يتكرر في وزارات و يستمر لسنوات بلا فائدة للمجتمع ، تحميه سلطة رئيس الحكومة للبقاء و صداقته معه .
الصعوبات االتى يضعها البعض للحد من توزير الاكفاء هي في الاصل واهية ، خصوصا وان هنالك من يدير مؤسسات ناجحة ، حجم اعمالها بضعف ميزانية الحكومة االاردنية في اقل تقدير ، و هنالك من يتولى مؤسسات عالمية في الخارج ، واساتذه و مستشاريين في اعرق الجامعات الاوروبية و الامريكية ، و الجميع لديه الخبرة و الكفاءة و لكنهم ضمن اضبارة " لا يصلح لانه يعرف و بامكانه التطوير " . و هنالك مجموعات تم اغفالها و اخرى لا يعلم عنها احد سوى الخالق و الرازق.
هنالك مجموعات متنفذة في الاردن و تجمعها مصالح مشتركة في المال و السياسسة و المصاهرة و النسب ، و هي تخاف من المتعلم ، من الرجل الكفؤ و المرأة المتفوقة ، يرون في نظرية " لا ارى ، لا اسمع ، لا اتكلم " الوسيلة الاضمن للاختيار الامن لوزراء "نعم سيدي".
و هنا يجب النظر و البحث في النموذج السياسي الجديد الذي يقهر الاختيار الجغرافي و العشائري ، و المحسوبية ، و المصالح ، و الشللية و القرابة .
كيف تصبح رئيس وزراء
كيف تصبح رئيسا للوزراء ؟ سؤال يراود الجميع ولكن بالامكان ان يحققه شاب لامع متخطيا كل دوائر المقاطعة و ان يصل الى صاحب الامر ، و لكن حواجز المقاطعة و اسوار قلعة "سجن الكاتراز " يجب ان تهدم من خلال الديمقراطية الحقيقة لمجلس نيابي يمثل "حكم الشعب للشعب" ، لا حكم الفرد لتحقيق مصالحه الذاتية على حساب الشعب من خلال شراء الاصوات و المنصب فيما بعد.
بالامس كان اختيار رئيس الوزراء خيارا محدودا في "ازلام السلطة" و هو مصطلح لا اميل له كثيرا ، و لكنه مدرجا على لوحة الاعلانات لرئاسة الوزراء ، الاب و من ثم العم ، فالابن ، فزوج الابنة ، و فشقيق الزوجة و من ثم الاخ و بعدها العديل في الزواج الى اخر المسلسل. توريث رئاسة الوزراة و الذي اصبح مهنة وزراء توارثوا الوزارات مع احفادهم و احفاد احفادهم .
و هنا اقصد طريقة "حصر الخيار " و لا اتحدث عن المحتوى الذي اتى به الرؤساء ، فقد يكون عهدهم الافضل من نظر البعض ، لكن الحديث عن طريقة الاختيار هو الاساس حيث مطلوب نموذج سياسي جديد ينقل المملكة الى عصر جديد من العلم و المعرفة و التقدم و الاقتصاد الواعد و الاستثمار الامن و الاستقرار و الحريات العالمية .
العهد الملكي الجديد
في العهد الملكي الجديد التجربة اثبتت فكرا متميزا للملك فقد اختار من خارج "نادي اصدقاء الرؤساء و ابنائهم :" الى حد ما .
عبد الرؤف الروابده ( طالب متميز في الثانوية العامة و من ثم الاول في الصيدلة على الجامعة الامريكية مبتثعا الى وزيرا فنائب رئيس وزراء فرئيس وزراء ) ، و المهندس على ابو الراغب ( شريك في شركة مقاولات فنقيب مقاوليين و من ثم نائبا في البرلمان فوزيرا و من ثم رئيس وزراء ) و فيصل الفايز ( تخرج من الولايات المتحدة الامريكية و بعدها اصبح موظفا في الديوان الملكي تدرج حتى اصبح رئيسا له و من ثم رئيسا للوزراء ) و معروف البخيت ( تدرج في الرتب العسكرية و من ثم مستشارا للمخابرات و بعدها سفيرا في عهد وزير الخارجية هاني الملقي و بعدها مستشار الامن القومي لاسابيع فرئيس وزراء ) ، و لكل منهم تجربته و اداءه و فهمه للمرحلة .
و قد يحكم التاريخ على التجربة بالفشل او النجاح نتيجة لاداء من تم اختيارهم و لكن الفكرة جديرة بان تعمم ،وبعكس ذلك فالملل و الشلل السياسي هو المتغلغل للعقلية المحلية و الرئيس القادم قد يكون هو الاخر من خارج التقليد و مفاجاءة الموسم بعكس تكهنات الشارع و التى سبق و ان كتبت عنها .
العهد الملكي الجديد لديه نموذج الغى قضية التدرج في الوظيفة ثلاثين عاما حتى الاستهلاك ، ثم منصب الامين العام للوزارة فمنصب الوزير للتخلص منه في حكومة سباعية الاشهر. تلك الخبرات الواهية التى هي عبارة عن خبرة عام تكررت ثلاثين عاما مرفوضة اليوم و المتوالية التراكمية لتوزير موظف بالية و موضه قديمة قدم البث بالابيض و الاسود في تلفزيونات محلية.
العصر الجديد للادارة له هدف و استراتيجة و مؤشرات اداء و مدراء يعهد لهم مهام ، فتجده اليوم في القاهرة مديرا و غدا بعد عامين في واشنطن لعامين ثم في دبي و غيرها ، او تجده في مايكروسوفت اليوم و غدا في جنرال الكتريك و بعدها في لبيتون للشاي. النجاح المتنقل من شركة لاخرى و طموح بلا حدود و دخلا ماليا يتضاعف حتى يصبح المدير مالكا لشركة و مستشارا بعد سنوات ، لا صاحب كرسي التصق به ثلاثين عاما حتى عفن اصبح جزءا من كفن يحمله معه الى منصبه الوزاري بحثا عن تقاعد و امتيازات .
ان كتاب جامعة هارفرد الاخير يتحدث عن بناء المهمة و الوظيفة و الشخص ، و يقول في احد فقراته ": في اليوم الاول الذي تتسلم عملك الذي كنت تطمح اليه ، ابحث عن عملا اخرا لتنتقل اليه خلال فترة عامين الى خمس سنوات " . انتهى الاقتباس .هذا النموذج الاجدر ان يتبع لا ان نجد موظفا "برتبة وزير " يتحول مع مر السنوات الى وزير ثانية و من ثم "رئيس وزراء ".
نريد رؤساء حكومات قادرين على التغيير و التطوير و الاداء ، لا رؤساء تمشية الحال . رؤساء ليس بالضرورة ان يكونوا امضوا ثلاثين عاما في الحكومة او وزراء سابقين . "رؤساء "فرش" اي غير مستلكين بطعم و لون و نكهة جديدة . رؤساء " نيو لوك " بالمصطلح الاعلامي .
و هنا دور مدير مكتب الملك و رئيس الديوان الملكي للبحث و التصفح في كفاءات الوطن في الداخل و الخارج عوضا عن استشارة رؤساء الوزراء القدامى الذين لديهم " الخطا الخماسي في اجهزة الكومبيوتر " ، و يعني نفس الاسماء و الترشيحات من دوائر مغلقة . اما لا ئحة المعنيين التى تقدم فقط اسماء من يصلح ليكون "تحت البنديرة" ، و هو مصطلح تفسيره "بزاري" فهي مرفوضة جملة و تفصيلا في عصر الخيارت العابرة للقارات.
aftoukan@hotmail.com