فرصـــة تاريخـيــة للدولـــة .. !!
حسين الرواشدة
25-12-2014 02:36 AM
تحت ضغوط المطالب والاحتجاجات اختارت الدولة في السنوات الثلاثة الماضية الانسحاب الى الخلف خطوتين، البعض اعتبرها محاولة « للتكيف « مع الوقائع والاحداث التي داهمت المنطقة بكاملها ، اخرون اعتقدوا انها محاولة « ابتلاع « اضطرارية لصعوبة القدرة على الهضم ، لكن مهما كانت الاعتبارات فان العنوان الذي ذهبت اليه الدولة آنذاك كان صحيحا ، كما ان منطق الامن الناعم الذي استخدمته كان مفيدا ايضا .
في هذا العام الذي اوشكنا ان نودعه تغيرت موازين القوى وانقلبت الاحداث رأسا على عقب ، وبالتالي استشعرت الدولة انها اصبحت في موقع « قوة» ، فقد تجاوزت حتى الان مخاضات الربيع العربي ونجت من عواصفه، واصبح من حقها ان تتحدث بصوت مرتفع وان تتقدم للامام.
في مرحلة الدفاع كان مفهوما ان نتوجس وندقق في حساباتنا ، او ان ننحني قليلا حتى تمر العاصفة، كما كان مفهوما ان يسود منطق «الاحتواء» والاسترضاء وتطييب الخواطر ، وحتى ان نفتقد هيبة الدولة احيانا وندعو لاستعادتها، لكن بعد ان تجاوزنا مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم يفترض ان تتغير الصورة ، وان نفكر جديا فيما يمكن ان نفعله، لا فيما يتعلق -فقط- بالملفات التي تداهمنا من وراء الحدود ( داعش تحديدا ) وانما ايضا بالملفات التي تشغل الناس، وبالاسئلة التي اثيرت في السنوات الماضية وما تزال معلقة بلا اجابات .
لدى الدولة الآن فرصة تاريخية للخروج من حالة «الانتظار» والعمل تحت الضغط الى حالة « الامساك بالزمام « والتقدم نحو العمل المتحرر من كثير من القيود، ولديها فرصة للانتقال من مرحلة « المقايضة» والتقسيط الى مرحلة العطاء بشكل مدروس وربما بلا حدود، فلدى المجتمع الاردني الان كل ما يلزم من « لواقط» لاستقبال ذبذباتها ، والاحتشاد خلف قراراتها ، ولديه ايضا الامل بان تأخذه الى منعطف جديد ، ترد اليه من خلاله التحية باحسن منها ، وتمكنه من البناء على « شراكة « في الغنم والغرم ايضا .
تحت عنوان « الحرب ضد الارهاب» يمكن ان تتحرك الدولة باتجاه (3) مسارات : الاول مسار استئناف وترسيخ قواعد جديدة للاصلاح الشامل ، بحيث ياتي الاصلاح ( السياسي تحديدا ) هذه المرة من خلال قرارات لا حوارات ، وبارادة سياسية قاطعة لا بضغوطات من الشارع ، وبحيث ننتهي من حالة الاستعصاء والاستقطاب والمراوحة ونستقر على تجربة توافقية ديمقراطية تفرز من المجتمع افضل ما فيه ، وتمكنه من الصمود امام اي مستجدات قادمة، اما المسار الثاني فهو استثمار قوة الدولة في تمكين « العدالة « بحيث يصبح العدل بما يتضمنه من قيم النزاهة والاستقامة والوضوح وتكافؤ الفرص عنوانا لحركة الدولة في المجال العام ، ودليلا على جديتها في طي صفحة المظلومية ، ومطاردة شبح الظلم ، وهذه وحدها ربما تكفي لاعادة التوازن الى العلاقة بين الدولة والمجتمع ، وردم فجوة الثقة بين الشعبي والرسمي، ويبقى المسار الثالث وهو الذهاب الى «المصالحات « العامة، وذلك لتهيئة التربة الوطنية لاستقبال مدخلات عملية الاصلاح والتعامل معها بمنطق الشريك ، ثم الخروج نهائيا من دائرة الخصومة والفجور وعقدة القطيعة والمقاطعة .
امام الدولة الان ، وقد تجاوزت مرحلة الاسترخاء الى مرحلة استشعار القوة، ثلاثة خيارات ، احداها خيار الاستثمار في الفرصة لبناء خارطة طريق للمستقبل ، وثانيها خيار تجميد الفرصة للبقاء في الحاضر والانشغال بتحدياته واجراءاته، وثالثها خيار تضييع الفرصة للهروب من الحاضر والمستقبل الى الماضي ، سواء بالتعويل على ان ما كان افضل مما سيكون، او بالاكتفاء بما تم وبالتالي لا حاجة للقفز للامام.
اذا سألتني عن اجدى هذه الخيارات وافضلها سأجيبك : الخيار الاول ، ليس لانه فقط يرشدنا الى المستقبل ، ويفتح امامنا ابواب الامل بالتغيير ، وانما ايضا لانه يجنبنا مصائب قادمة ربما لانعرفها ولا نتوقعها، ويقنعنا بان منطق الدولة - لامنطق الشارع - هو الاصوب، ثم انه يطمئننا على سلامة مجتمعنا وبلدنا وسط هذا المحيط الملتهب لعقود قادمة، واعتقد ان من واجبنا جميعا ان ندفع بهذا الاتجاه.
(الدستور)