درجت العادة عند اغلب الأردنيين وفي فصل الشتاء ان يستنجدوا " بالفروات " و " العبايات " ليستمدوا الدفء منها وكثير من هؤلاء تجد ان " عباياتهم " و " فرواتهم " هذه كانت لآبائهم او أجدادهم الذين مضوا إلى -رحمة الله - ، وإذا سألت أحدهم معجبا ب" فروته " او " عبايته " عن من قام " بتفصيلها " ؟ يبادرك على الفور " من ريحة الحج الله يرحمه " لتغوص في اعماق التاريخ عن المكان والزمان الذي مضى فيه " الحج " ولتدرك القيمة الجميلة من التراث الذي ما زال فيه البعض يحتفظ بالإرتباط " بنَفَس وريحة ولبس " القدامى ولو عرضت على احدهم شراء " عباية " او " فروة " أباه أو جده سيرفض ذلك ولو كان العرض كبيرا ، فقيمة الارتباط بمن تحب لا يضاهيها قيمة لانها تحمل تاريخ وسيرة الأب والجد في حياته ، هذا عوضا عن الإبداع والحرفية الكبيرة التي تميز من حبكها وصنعها بخيوطها الجميلة الدقيقة .
في الأردن - ولله الحمد- هنالك " فروة " و " عباية " طبيعية خلقها - الله عز وجل - واكرمنا فيها ألا وهي الأشجار الحرجية التي تنتشر وتتوزع فيه من الشمال إلى الجنوب ، تحمل " ريـــــحة " و " نفس " الصنوبر والبلوط والسرو والعرعر الأردني الأصيل تزدان فيها هذه المناطق بجمالها ، وتكتنف بشموخها على جبالنا الشماء الشامخة سيرة وتاريخ الأرض الاردنية الممتدة عبر مئات السنين واجمل ما فيها إننا نهرع إليها في كل صيف حار ، نستظل في ظلها ونزكي انفاسنا من ريحتها الطبيعية لنستبدل ما علق في أنفاسنا من أدخنة المصانع والمركبات النتنة والكريهة ، وعندما تجلس في ظلها تستذكر حكاية الطفولة حينما كنت تجلس بالقرب منها مع من مضوا إلى – رحمة الله – من الآباء والأجداد وما سردوه لنا من قصص وحكايات عن المكان والزمان ، لتكون هذه الأشجار نصب تذكارية طبيعية تذكرك بالموروث عن ذلك الزمان والمكان الجميل الذي كان فيه هؤلاء ....
ورغم القيمة الجمالية والتراثية لهذه " الفروات " و " العبايات " من الغابات الحرجية الطبيعية الأردنية إلا انها وللأسف الشديد أصبحت تستنزف من قبل المعتدين ، فمنهم من يعتدي عليها بداعي التدفئة و لغايات " الشوي والزرب " وقمة السخرية وصلت إلى حد أن هذا الإرث الأردني الأصيل يستخدم في بعض مطاعم " البيتزا الإيطالية " لتقدم لزبائنها " بيتزا على الحطب " ، والامر لا يرتبط بأثر المواطن المعتدي فحسب ، بل بالتوزيع والمخططات العمرانية التي تتخذها بعض الجهات المسؤولة لفسح المجال للمواطنين بإقامة المساكن فيها وبرخصة ليكون بعض المسؤولين هم أيضا من الجناة عليها والقيام بجرم الإعتداء عليها مع سبق الإصرار والترصد ....
البعض يبرر ان إعتداء المواطن على هذه الغابات الحرجية ياتي لإرتفاع أسعار المحروقات ومع ذلك فانني أقول بان الإيمان بهذا المبرر سيجعلنا ندرك عواقبه الوخيمه مستقبلا إذا استمر هذا الاعتداء حينما نجد أن جبالنا ستصبح أمطارها الساقطة عليها سيولا جارفة تجرف الاخضر واليابس بعد ان قلعنا أشجارنا الحرجية من جذورها وهي التي كانت تقف سدا منيعا أمام قوة هذه السيول وهنا يحضرني ان اسعار المحروقات تتهاوى إلى أقل مستوى لها عالميا فيا حبذا أن تقوم حكومتنا الرشيدة بتخفيض اسعارها على المواطنين رأفة بالمحتاجين وشعورا مع غاباتنا الحرجية التي أصبحت تستنزف أكثر من أي وقت مضى ...
فإلى كل مسؤول وكل مواطن غاباتنا وأشجارنا الحرجية هي " ريحة ونفَس " الأردن الجميلة فلا تحرمونا منها فقد أزكمت انوفنا الروائح الدخيلة والكريهة - ولنتق الله- فيما بقي منها لتبقى لأجيالنا القادمة بعض من انفاسها وروائحها الزكية الجميلة ... فصدقوني بانه لا يوجد أحد يلقي ب" عبايته " او " فروته " الجميلة في النار مع الحطب فكيف إن كانت هذه " العبايات " او " الفروات " من الغابات الاردنية من أجمل وأروع ما خلقه الله لنا ووهب ...