لأنكم جزء من هذا الوطن، ولأنكم منا، ولأننا نريدكم بيننا، ولأننا لا نعتقد أن فسيفساء الوطن تكتمل من دونكم، ورغم وجع القلب والجروح النازفة في القدس وبيت لحم والموصل وبيروت ودمشق، ولأنكم شركاء لنا في هذا الجرح النازف كالشلال، نتوجع معا، نتألم معا، نريد أن نعيش على هذه البقعة من الأرض معا، رغم كل الجروح ومرارات القتل التي تمارس يوميا هنا وهناك، نقول لكم بملء الفيه: كل عام وانتم بخير، وميلاد مجيد لكم ولنا.
نعرف أن كنائس بيت لحم والناصرة والقدس حزينة، تتألم يوميا، وأجراس الموصل ومعلولا وحلب ودمشق، لا تقرع لأنها بكت دما، وتوشحت بالسواد والألم، من أولئك الذين استباحوا الأرض، ونسفوا الحجر، ويريدون أن يغيروا معالم البشر، وعاداتهم، وحتى أديانهم، فقتلوا وسلبوا ونهبوا وجزوا الرؤوس، وهجروا ملح الأرض، وشركاء الوطن الواحد من أرضهم، رغم كل ذلك، لا نملك إلا أن نحتفل معكم بميلاد رسول المحبة والسلام، عيسى المسيح، ونقول لكم كل عام وانتم بخير.
نقولها لكم: ميلاد مجيد.. وكل عام وانتم بألف ألف خير، ونتمنى لكم، كما تتمنون انتم، أن يكون الميلاد المقبل أفضل، ساحات الحرية فيه أوسع، ومنظر الدم فيه أقل، والتسامح فيه أشمل، وأن تكون الدواعش قد تركت رؤوس البعض منا، وحلت بدلا من تلك الأفكار الداعشية، أفكار محبة وسلام وأخوة.
أما أولئك الدواعش، الذين يقتلون بلا رحمة، وأولئك الذين يحملون في رؤوسهم ذات الأفكار، من دون أن يعلنوها صراحة، وإنْ بدت منهم بين فينة وأخرى، نقول لهم: اصمتوا للأبد، لن تنفع وسوساتكم، ولا سموم أحقادكم. اصمتوا أيها الظلاميون للأبد، وليصمت معكم أولئك الدواعش الصغار، الذين يرفضون الآخر بيننا.
عشية ليلة الميلاد، نتمنى معكم أن يكون القادم أفضل، وان يكنس أولئك الظلاميين، من رأس كل فرد، سكنوا فيه وترعرعوا، وان نتقبل الآخر من دون النظر إلى دينه، أو جنسه أو عرقه أو لونه.
عشية الميلاد، يسافر بنا الشوق إلى بيت حنينا، وبيت جالا وبيت لحم، حيث المهد الأول، والبيت الأول، نستذكر أولئك الذين لم يفرق معهم دين، ولا لون، ولا هوية، نستذكر جورج حبش ونايف حواتمة، ووديع حداد، وجول جمال، وعيسى العوام، ويعقوب زيادين، وعيسى مدانات، وادوارد سعيد، وغيرهم وغيرهم. نجدد معهم عهد الحب للوطن، ونكنس بمعيتهم كلام شياطين، يوسوسون في نفوس البعض منا، لتقسيم الموحّد، وتفتيت اللحمة.
نصل عشية الميلاد بأشواقنا إلى القدس.. آه يا قدس. و"في القدس أبنيةٌ حجارتُها اقتباساتٌ من الإنجيلِ والقرآنْ (...) في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ (...)"، وفي القدس لا فرق بين بيت وبيت، تتوه في أناشيد الميلاد الحزينة، الكل يرددها، وفي القدس تتوه في ساحاتها العتيقة، تتكحل الأنظار بقبتها وساحة معراجها، التي تنادي يوميا، ولا من يجيب. تصل بنا الأشواق، حيث كنيسة القيامة.. يحتلنا العشق الأبدي، تسكن فينا المحبة، والإخوة والسلام، وقبول الآخر، نردد مع الأخوين الرحباني: "عيوننا إليك ترحل كل يوم.. تدور في أروقة المعابد، تعانق الكنائس العتيقة وتمسح الحزن عن المساجد".
نقول مع الرحابنة سويا، وبصوت عال: "الطفل في المغارة.. وأمه مريم وجهان يبكيان.. لأجل من تشردوا؟.. لأجل أطفال بلا منازل.. لأجل من دافع واستشهد في المداخل... واستشهد السلام في وطن السلام... وسقط العدل على المداخل".
لا نملك إلا أن نحلم معكم، بأن يكون القادم أفضل، وتعود أجراس القيامة لتقرع، بعنفوان، وقد كنس الاحتلال من بين ظهرانيها، وتعانقت بيت لحم والناصرة ودمشق وبغداد وبيروت، وأزالت معلولا عنها ثياب السواد، وعاد كل من تهجّر من الموصل لبيته وجذره الأول.
كل عام وانتم بخير... وميلاد مجيد.
"الغد"