الارتياحُ الكبيرُ الذي اجتاح الشارع الأردني، بعد تنفيذ حكم الإعدام بعدد من المجرمين العتاة، نتيجة أحكام قضائية قاطعة، بحقّ الذين استباحوا كل حرام، ردٌّ واضح وبليغ على الأصوات الزائفة، التي تباكت على حق الإنسان في الحياة، هؤلاء الذين ينظرون بعين رمداء إلى الأمور، ومن زاوية ضيّقة لا ترى الصورة إلا من بؤرة المصالح الشخصية الضيقة، والتي بات كل المجتمع الأردني يعرفها ويفهمها جيداً!
إذا كان الله عزّ وجلّ قد شرّع لنا أن النفس بالنفس، وأنّ إزهاق الروح لا يُغفر أبداً، عنده تعالى، فكيف يتساهل المجتمع والدولة ويتراخيان في إنزال أشدّ العقوبات بمن يستهين بحياة الآخرين؟! فهذا الذي انتهك أمن الناس ونفوسهم له الحق في الحياة، حسب بعض الأصوات النشاز!! فكيف يكون له هذا الحق وضحاياه لا حقّ لهم في القصاص؟! تلك إذاً قسمة ضيزى.
إنّ الثأر غريزة أصيلة في الإنسان، وحتى الحيوان، وإذا لم تقم الدولة من خلال قوانينها وقضائها بواجبها، وأخذ الثأر للمظلوم عن طريق القصاص، فستختل أمور المجتمع وقواعده، لذلك من واجب الدولة أن تنظم عملية الثأر بالقوانين، وتنفيذ العقوبات وإنزال القصاص؛ حتى تشفى الصدور وتهدأ النفوس وتسكن.
لقد كان تنفيذ حكم الإعدام بعدد من المجرمين قبل أيام في الأردن أمراً طبيعيا، وغير خارج عن الطبيعة، فهذه العقوبة شرعتها كل الأديان السماوية، والقوانين الوضعية، فلا حاجة للكلام المغلوط عن تراجع حقوق الإنسان في الأردن، والادعاء بانتهاك حق الإنسان في الحياة، فهذه المعادلات أثبتت الأيام والأحداث فشلها وانعكاساتها السلبية على المجتمع، إذا كان العدل أساس الملك، فلن يكون إلا في القصاص بكل شيء، ولو لم يكن القصاص عدلا وواجبا لما شرعه الله عزّ وجلّ.
في الأردن حق الإنسان محفوظ بكل شيء، بدءاً من حق الحياة وحرية العبادة إلى أبسط متطلبات العيش الكريم ، وجاحدٌ مريضٌ من يدعي بغير ذلك. ومن حقّ المجتمع على دولته أن يسود القانون ويستوي على الجميع، فكيف لأب مقتول ابنه أن تستقيم حياته وتهدأ نفسه، وهو يعلم أن قاتل ولده يجلس آمناً في محبسه، ومُؤمّنة له كل سبل الحياة الكريمة؟! أليس من المحتمل أن يتحوّل هذا الأب إلى قنبلة تنفجر في وجه الناس بأي لحظة؛ نتيجة شعوره بالظلم بسبب عدم إنزال القصاص بمن استباح حياة ولده أو شقيقه؟!
لقد قدّس الإسلام الحياة إلى أبعد الحدود، واعتبر من يعتدي عليها خارجا عليه، قال العزيز في كتابه «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، والرسول الأعظم صلّى الله عليه وسلّم يقول: «الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه»، وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم وهو يطوف بالكعبة أنه قال: « ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا» وروي أيضاً عنه أنه قال: لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم.
من حقّ ولي الدم المهدور أن يرى غريمه يذوق نفس الألم، الذي أوقعه على غيره ظلماً، وهذا الحقّ كفله الله تعالى عندما قال (فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)، وتنظيماً لهذه القاعدة يؤول الأمر هنا للدولة، وهي التي تنوب في ولاية الدم عن صاحب الحقّ والمجتمع كلّه.
لقد سجّلت الولايات المتحدة أعلى نسبة في تنفيذ حكم الإعدام في العالم، وهي راعية حقوق الإنسان فيه كما تقول، لأنها اكتشفت أن هذه العقوبة هي الرادع الوحيد والأكثر فعالية في لجم الإجرام الذي يُهدد أمن المجتمعات. فكيف بنا ونحن نملك بهذا الجانب تشريعاً سماوياً، نزل قرآنا يشرّع للناس على مرّ الأزمان؟ حتى شريعة حمورابي قامت بتنظيم الحياة المدنية، ومعاقبة المتسببين بأعمال تودي بالأمن والسلم الأهلي بالإعدام، وكثيراً ما كانت لا تخلو هذه التشريعات من أحكام بالموت على مرتكبي جنح لا تستحق الموت، ولكنها كانت تطبّق حكم الإعدام على مرتكبيها؛ لأنها كانت تراها ضرورية لحماية السلم المجتمعي!!
أمّا بخصوص انزعاج أصدقائنا الأوروبيين نتيجة تنفيذ الأحكام بالأعدام، فإننا نُذكّرهم بأنّ هذا أولاً شأن داخلي، وأننا بلد يحكمه القانون، وقوانيننا وتشريعاتنا نصّت على هذه العقوبة، وأن ليس الأردن فقط يتعامل مع هذه العقوبة، فمعظم دول العالم تمارس هذا الحق في ردع الإجرام، وأننا عندما نفعّل هذه العقوبة، فإننا نمارس حماية حقيقية للمجتمع، وعليهم أن لا يستمعوا لبعض الدكاكين المنتشرة لدينا، والتي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، وأنّ هذه العقوبة تُهين الحياة كما يزعم أصحابها، فكرامة الإنسان وحقّه في الحياة محفوظة في الأردن، وستظلّ بإذن الله تعالى. وأنّ على الأوروبيين أن ينتبهوا إلى الخطّ الدقيق الفاصل بين المشورة والتدخّل في الشؤون السياديّة.
لنعترف أنّ تجميد حكم الإعدام لسنوات طويلة لدينا، أغرى الكثير من المجرمين الخارجين عن القانون وكل قواعد الإنسانية، أن يُوغلوا بأرواح الناس وأعراضهم... وربما اهتزّت هيبة القانون نتيجة ذلك، ولكن الخطوة الأخيرة في إعادة تفعيل هذه العقوبة، أعادت للناس الثقة بأمن مجتمعهم، وأنّ سلطة القانون ستطال كل خارج عليها، ولا مفرّ من مواجهتها حماية للسلم المجتمعي الذي سيظلّ القصاص الحصن الأول له.
لذلك كلّه... نحن مع الإعدام لكلّ من يستحق حسب الشرع والقانون؛ لأنّ القصاص فيه حياة وعبرة وردع، كما قال الله عزّ وجلّ «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ»، والحياة هنا معناها الردع، فإذا علم المجرم أنه إذا ارتكب جريمة القتل بحق الآخرين او انتهك حرماتهم واعراضهم فسيُقتل، لن يُقدم على فعلته، وبالتالي يكفل مفهوم القصاص وتفعيله حياتَه وحياةَ من أراد قتله، والتفاسير كثيرة حول ذلك بأهمية القصاص حماية للناس ومجتمعاتهم، إضافة إلى قاعدة الفقة التي تقول: لا اجتهاد في موضع النص ... فالنفس بالنفس.مرة اخرى نحن مع الاعدام حماية واحتراما لحق الحياة ..
(الدستور)