المتابع لتقرير ديوان المحاسبة الأخير يظهر أن غالبية المخالفات هي اختلاسات مالية في دوائر حكومية مختلفة.
وتشير أيضا إلى أنها أما تسير ضمن المارثون القضائي أو تم استئنافها أو أنها في طريقها للتمييز أو أنها أخذت الأحكام القطعية سواء بالبراءة أو بالحكم.
كنت أتمنى أن يتم نشر كل المخالفات التي ترتكب من تجاوزات ومخالفات وأعمال خيرية تحت مسميات مختلفة ليتم من ورائها اختلاسات كبيرة بالرغم من كل التحذيرات بالحفاظ على المال العام ومن عمليات الاختلاس لكل المتعاملين فيه سواء المؤسسات الخاصة أوالحكومية والتي خلفت قضايا ومشاكل مالية كبيرة.
لكن واقع الحال يكشف أن هذا لا يحصل على ارض الواقع ولا يعد تقرير ديوان المحاسبة سوى صورة شكلية لنقوا إننا نحارب الفساد فقط أثر مراجعة وتدقيق الأوراق والسندات المالية والخروج بتوصيات يرجى العمل فيها.
التقرير كشف ايضا ان العديد من المسائلات لم يتم التعرض لها او تحويلها للقضاء عبر السنوات الماضية والحالية ومنها على سبيل المثال القروض الزراعية والكشف عن أسماء المتورطين وانا على يقين انه لن يتم كشفهم لأسباب مصلحية والرعب حتى من الاقتراب منهم هذا أذ لم يكن أحد أعضاء اللجان المالية او حتى رئيسها متورطا فيها.
على سبيل المثال أحدى الجمعيات الخيرية وعلى سبيل المثال تمكنت ومن خلال أساليب التسول الخيري من جمع ست قطع أراضي تقع إحداها في منطقة الكرسي رغما انه ليس لها أي مقر خلافا للجمع النقدي الهائل الذي يتم على أنغام الحفلات الراقصة وأموالها غير خاضعة لا للديوان ولا للمحاسبة ولا للضرائب فهل يعقل ان هذه الجمعية لها هدف إنساني.
جمعيات ومؤسسات مدنية امتهنت طريقة التسول بجمع التبرعات عن طريق الحصالات التي وصل حجم الواحدة الى متر في متر والتي لم أشاهد مثلها في العالم فهل يعقل ان عملية الجمع هذه تمر تحت اعين الرقابة واين تذهب والتي احتدمت المنافسة بينها وبين جمعيات أخرى من خلال مشاهدة تزاحم هذه الصناديق.
صاحب شركة خاصة وضع لنفسه راتب عشرة ألاف دينار شهري ليتحايل على الضمان الاجتماعي بتحصيل راتب ضمان خاص له بآلاف الدنانير أليس هذا اختلاسا.
نوادي رياضيه مشهورة يجمع القائم عليها من التبرعات ملايين الدنانير من خلال دغدغة مشاعر المؤازرين باللعب على وتر طائفي نتن بعد كل فوز في حساب النادي ليستحضر مع المدير المالي في اليوم التالي فواتير مصاريف ليس لها أي علاقة بالنادي ووضعها في حساباتهم الشخصية أليس هذا بالاختلاس.
المعلولية التي أنهكت وزارة المالية والتي دأب كبار المسئولين على تحصيلها بواسطة تقارير طبية بعيدة كل البعد ليس لها أي علاقة بصحة هؤلاء المسئولين أليس هذا اختلاسا.
ضخ التعيينات في الجامعات والشركات الحكومية ومؤسساتها دون اية مراعاة او أسس سوى بمزاجية مسئوليها لتستنزف ميزانيات ضخمة اثر ذلك أليس هذا اختلاسا.
الواسطة ومعاييرها المزاجية وتوظيف الأقرباء والأصدقاء حولت مسئولين الى حيتان كبيرة وقفت الحكومة عاجزة أمامهم نتيجة تحالفاتهم مع كل الذين تم تعيينهم ووضعهم في مناصب حساسة لضخ المزيد عن طريقهم والتي أوصلتهم للنيابة وما زالوا يتشدقون أنهم رجالات وطن وهم من عاثوا في هذه الدوائر فسادا وترهلا أدت بالتالي إلى خصخصة مخلفاتهم أليس هذه اختلاسات لحقوق وعدالة المواطنين.
احتكار الاسمنت واللحوم المستوردة والمأكولات الشعبية والكهرباء والمياه والنقل والضرائب والبترول وتحرير المخالفات العشوائية اما للابتزاز أو باسم القانون أليست هذه اختلاسات.
التغاضي عن براءات الذمة لمسئولين ونواب وقضاة وحتى الصحافيين ومدراء ومسئولين في الشركات الخاصة وموظفي الضرائب والمسئولين عنهم ورئيس وموظفي ديوان المحاسبة ورؤساء الجمعيات الخيرية والتعاونية والتكيات والأندية والاتحادات الرياضية أليس هذا بالاختلاس.
انا لدي من الحقائق والشواهد على هذه النماذج من المسئولين الذين انتقلت حياتهم من موظف حالي يتقاضى 320 دينار إلى امتلاكهم لأراضي وقصور وحسابات سرية ومن مسئولين صغار دخلوا الحكومة لنواب ومن ثم لدول لا نحتاج للإشارة إليهم بالبنان.
مواطن ليس لديه إلا عمل واحد وهو إقامة احتفالات وطنية في كل مناسبة ليجمع منها عشرات بل مئات ألاف من الدنانير لجيبه الخاص وباقي الأعمال الميدانية يتولاها موظفي البلدية التي يقام فيها الاحتفال والتي تتكفل بالبيوت والسماعات والسجاد وبناء الصيونات وغيرها ومن ثم يسافر في اليوم التالي إلى دولة عربية شقيقة لتمضية ومصرفة ما جمعه من تبرعات ومثله مثايل.
لن أخوض في العطاءات الحكومية التي أفرزت لنا رجال أعمال يملكون الملايين ليتحولوا بعد ذلك بسهولة إلى نواب ومن أصحاب الملايين نتيجة هذه العطائات التي تتم بيسر وسهولة.
كل قرش يتم فرضه على المواطنين سواء للعمل الخيري أو للمعاقين أو للأيتام أو لتشجيع الرياضة والاحتفالات او لدعم أي جهة كانت لا بد من مروره على ديوان المحاسبة وبعد موافقة مجلس النواب عليه حيث يصبح مشكوكا فيها أسوة بالقانون الأخير لجمع ال 5% من واردات الإعلانات للثقافة والتي ينتظرها متنفعون مما يسمى بالثقافة .
لسنا إسوداديون ولا متشائمين ولن يزايد علينا احد في وطنيتنا المخلصة لكنني أردت إيصال وتعريف كلمة الاختلاس التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة والتي ينطبق عليها أغنية ام كلثوم "أنت بينك وبين الاختلاس دنيا" لنحذر من الذين يختلسون أموالا عامة تحت مسميات فاسدة نراها ونشاهدها ونشتم رائحتها النتنة التي عاثت في الأرض خرابا وتحذيرنا الأشد هو الحرص الأكيد على بقاء الشرفاء والمخلصين والوطنيين وأخذهم لمكانتهم الحقيقية في إصلاح الفساد والمفسدين للمحافظة على طبقة الفقراء من الهلاك.