كان من المفروض أن نبدأ في التحليل من نهاية السطر ، لكننا وجدنا أنفسنا مضطرين للرجوع إلى أول السطر ، الذي لم يقرأه أحد على ما يبدو.
الكاتب العربي الذي كان يعيش في المهجر بعيدا عن الوطن العربي الطارد لأبنائه ، قال في مهجره في القرن التاسع عشر من أمريكا:"لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع ، وتلبس مما لا تصنع"!!!!؟؟؟؟ ويقينا أن هذا الفيلسوف والمبدع العربي الذي ترعرع في المهجر ، وأطلق عليه لقب النبي ، أبدع في إستشراف حال الأمة في يومنا هذا، علما أنه كان يعيش في مهجره أمريكا التي تفتخر أنها بلد المهاجرين ، وتعمل على سرقة كل مبدع، وكان أجدر به أن ينعم بحياة المهجر، لكن هيهات لمبدع منتم أن تغيب أمته عن باله حتى لو كان بعيدا عن ربوعها.
الأمة العربية ولأسباب ربما لا يريد البعض التطرق إليها ، تخلت عن شرفية مكانتها الريادية بين الأمم ، وإرتضت الجلوس مع الخوالف ، لا فعل ولا أثر ولا تأثيرا إيجابيا لها على الآخر بعد أم قرب.
كنتم خير امة اخرجت للناس ، هذه شهادة رب العزة ، جل في علاه في رسالة طاهرة نقلها طاهر وتلقاها طاهر قبل أكثر من ألف وأربعماية عام ، ولكننا نرفض هذا الطهر ، ونبذنا هذه الطهارة الربانية ، وأصبحنا أمة تابعة ، رغم مكامن القوة فينا ، وأمة فقيرة متسولة تنتظر فتات الآخر المفأرر، رغم الغنى الذي نتمتع فيه، وأمة جاهلة رغم منابع العلم التي منحنا إياها من قرآن كريم وحديث شريف ولغة جميلة ، وظهرنا أمام العالم قليل ، مع أننا في حقيقة أمرنا كثيرون ، لكن كغثاء السيل .
المسؤولية عن ذلك لا يتحملها طرف عربي دون آخر، فالكل متهم والكل متواطيء ، لأن العفن الذي يبدأ بثمرة واحدة - إن لم يجد من يزيلة ويخلص الصندوق منه - يتمدد ليشمل الصندوق بأكمله ، وعندها تكون الخسارة والضرر ، وهذا ما نحن فيه ، تركنا العفن على حاله وتلذذنا بطعمه ، فأنبت فينا ذلا وهوانا.
السياسي مسؤول والحزبي مسؤول ، والمثقف مسؤول والأكاديمي مسؤول والإعلامي مسؤول ، والحاكم مسؤول ، وكل من هؤلاء يتحمل مساحة ما من المسؤولية ، وعن سوء المصير الذي آلت إليه الأمة.
صحيح أن علامات إستفهام كثيرة تدور حول رأس الحكم في الوطن العربي ولا أستثني أحدا ، لكن المسؤولية الأكبر والعلامات الأخطر تتعلق بالمحكوم، الذي إما أسهم بالتعفين أو صمت عنه ،وقبل على نفسه تناول الثمرة المريضة وإستساغ طعمها العفن وتحمل نتائج عفنها.
ما يجري في الوطن العربي هو أن الجميع صمتوا عن الواجب ، مقابل نصيب من الكعكة المسمومة ، ومنهم من رضي بوعد الحصول على جزء ولو كان يسيرا من هذه الكعكة المسمومة ، فأعطى وأعطى ثم أعطى ، ووجد نفسه في نهاية المطاف خالي الوفاض ، لأنه لا يعود إلى نسب الحاكم من الدرجة الأولى.
الموالي للحكم في الوطن العربي هو معارض في داخله ، ولكنه يرنو إلى المكاسب ، بغض النظر عن طريقة تحصيلها وما الثمن المطلوب دفعه مقابلها ، وحتى قيمتها ونوعيتها ، كما أن المعارض موال في داخله ، لكن إدراة الأمور عنده إتخذت منحى الظهور بمظهر المعارضة ، وإتخذ من الصراخ وسيلة له كي يسمعه أولي النعمة ، ويعطفون عليه ولو بكسرة من عطايا ، ومنهم من يبح صوته دون أن يسمعه أحد على أرض الواقع.
الأمة العربية هذه الأيام رغم إتساع مساحتها وعدد نفوسها ، وما حباها الله من نعم ، وضعت نفسها طواعية في حضن مستعمرة إسرائيل التي يحكمها يهود بحر الخزر ، والأدهى من ذلك أنها سنت القوانين المتتالية لمعاقبة رواد التحرر والتغيير الذين أصبحوا الهدف السهل للقنص والسجن والحرمان والتهمة الجاهزة ..الإرهاب ، وليس سرا القول أن معهد بحوث ودراسات الشرق الأوسط الإعلامية "ميمري "، التابع للموساد الإسرائيلي في واشنطن هو صاحب ولاية في هذا الموضوع ويقرر مصير من يسلط الأضواء على ممارسات إسرائيل اللا إنسانية .
أمة ترهن نفسها - الجمل بما حمل – لعدوها ، وأمة تفتح أبواب سجونها لأبنائها ، وأمة تتهم أحرارها بالإرهاب ، وأم تأكل من منتجات أعدائها وتلبس مما يصنعون ، وتشرب من مياهها المتسربة للأعداء بعد شرائها ودفع ثمنها ،وتشتري الغاز المسروق من إسرائيل "الأردن ومصر "وأمة تنسق مع إسرائيل أمنيا – ولا أستثني أحدا – وأمة صادقت عدوها وناصبت العداء لأصدقائها ، وأمة قلبت المفاهيم ، وجعلت من الصراع الرئيسي ثانوي والثانوي رئيسي ، ليست أمتي ، فأنا منها بريء براءة الذئب من دم يوسف الصديق عليه السلام .