أحمد شاب سوري يعمل في صالون حلاقة رجالي، وشقيقه يعمل في صالون ثانٍ آخر. ويعيل كلاهما أسرة كبيرة مكوّنة من قرابة 14 فردا، تعيش على "حافة الفقر" في شقة مستأجرة في ضواحي عمان.
ذلك نموذج من عشرات النماذج التي نقابلها يومياً من الأشقاء اللاجئين السوريين. وبالرغم من أنّه لا توجد هناك أرقام دقيقة، بل ثمة تضارب بين المؤسسات الرسمية، إلاّ أنّ أغلب التقديرات تحوم حول 100 ألف سوري ينشطون في سوق العمل الأردني، في مختلف القطاعات، بحثاً عن توفير "الحدّ الأدنى" ليتمكنوا من الحياة، وليشاركوا نسبة كبيرة من المواطنين الأردنيين الصراع مع الفقر والبطالة وغلاء الأسعار!
أشار تقرير مؤسسة "كير" (Care) إلى أنّ 34 % من اللاجئين السوريين في الأردن لا يملكون دخلاً، فيما يتراوح دخل البقية بين 150-190 ديناراً، وهو دخل يكاد يصل إلى أجرة الشقق السكنية. ما يعني أنّ أغلب هذه العائلات تعيش على المساعدات الدولية والمحلية، بالإضافة إلى ما يوفّره أبناؤها عبر المهن التي يحصلون عليها، بأجور أقل من العمالة المحلية، وحتى الوافدة الأخرى.
وطالما أنه لا يوجد أفق سياسي أو مؤشّر حقيقي بأن يعود الاستقرار السياسي لسورية خلال الأعوام القريبة المقبلة (حتى لو كانت هناك مشروعات أو مبادرات سياسية يجري التفكير فيها، فستأخذ وقتاً، في حال نجحت بالطبع)؛ فإنّ ذلك يعني أنّ التفكير الأردني في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين من المفترض أن يأخذ منحى آخر، بوصفه أحد أهم التحديات الوطنية المقبلة. فتردّي أوضاع الأشقاء الاقتصادية، تنعكس على مجالات أخرى عديدة؛ اجتماعية وثقافية وأمنية، لأننا نتحدث، باختصار، عن "كتلة كبيرة" من السكان الجدد (قرابة 20 % من سكان الأردن، أو مليون وأربعمائة ألف نسمة)، الأغلبية المطلقة منها تعيش تحت خط الفقر، في ظروف إنسانية صعبة، مما يزيد عملياً من حجم الشريحة الواسعة من المواطنين الأردنيين التي تعاني أصلاً من الفقر والحرمان الاجتماعي والبطالة ومحدودية فرص العمل!
ما يجمع الشريحتين، الأردنية والسورية، غياب الآفاق وتراجع الأمل بتحسن ظروف الحياة، والصراع على الموارد المحدودة والشحيحة، في التعليم والماء والصحة والسكن، والأخطر من هذا وذاك فرص العمل.
لا تبدو المعادلة سهلة في الحديث عن ملاحقة الأشقاء السوريين الذين يعملون بصورة غير قانونية، فنحن أمام "معضلة" حقيقية أو سيف ذي حدّين. فإذا تم التضييق عليهم، بلا أي بدائل أو خيارات، فكأننا ندفعهم نحو الجريمة والعنف، وإذا تم السماح لهم بالعمل فإن ذلك يؤثر بصورة جوهرية على فرص الأردنيين وقدرتهم على التنافس مع السوريين الذين يقبلون بأجور أقل بكثير من الأردنيين.
يضاف إلى هذا وذاك مزاج شعبي سلبي بدأ بالتدحرج والصعود إزاء اللاجئين السوريين، تكشف عنه استطلاعات الرأي، وبعض المصادر الرسمية التي تتحدث عن رسائل غاضبة، بخاصة من مناطق الشمال التي ترتفع فيها نسبة السوريين بصورة كبيرة جداً.
ما هو أخطر من هذا وذاك، الحديث عن الجيل السوري الجديد الذي ينمو ويصعد في الأردن وأماكن اللجوء، في ظل ظروف عائلية قاهرة، وشروط اقتصادية-اجتماعية قاسية، بلا أي اهتمام حقيقي من المؤسسات الوطنية والدولية المعنية بالأمر. فكل الجهود اليوم تذهب نحو تأمين أساسيات الحياة، وما يزال هناك عجز كبير في ذلك، بينما لا يلتفت أحد إلى حجم التحدي الحقيقي المقبل بعد 5 أعوام أو أكثر، مع جيل اللاجئين القادم، إن استمرت الأمور على هذا المنوال!
من الضروري أن يغيّر الأردن مقاربته نحو مسألة اللاجئين، وأن تطلق صفّارات الإنذار من الآن.
(الغد)