المنعرج الهيرمينوطيقي للفينيمونولوجيا
فايز الفايز
22-12-2014 02:42 AM
لم أكن مدركا فعلا فيما مضى من السنين أنني وأنا أكتب مقالاتي التي تتضمن كلمات عربية أصيلة أن كثيرا من القرّاء المتعلمين لا يعرفون معاني بعض الكلمات ، وأخذ معي تطويع المقال الى المستوى العادي فترة طويلة ، مع أنني كتبت بذلك الأسلوب منذ أول مقال لي في صحيفتنا الرأي عام 1986 وأنا أدرس الصحافة ومن ضمن موادها مادة عربي خاص المتخصصة في اللغة العربية القديمة والوحشية الجميلة ، ولغايات إيصال الفكرة وفهمها لدى القارئ تخليت عن ذلك الأسلوب الذي شققت به طريقا لم يكن مطروقا.
وفيما تؤكد اليونيسكو على أهمية اللغة العربية، يؤكد أبناء الضاد على أنها أحد أسباب التخلف الحضاري، حتى أصبحت لغتنا العربية مشوهة ليس لاستخدام اللهجات العامية والمحكية في نشرات الأخبار والأحاديث العادية فحسب بل بإدخال مصطلحات إنجليزية في سياق الجملة ، وتعمد ذوو النفسيات المهزوزة الظهور بمظهر التقدمية بتعمد استخدام كلمات إنجليزية أو فرنسية بدل اللغة العربية وفي غير محلها او مناسبتها حسب البلد المستعمرة بلادنا سابقا، حتى وصل الأمر الى تهجين الكتابة بلغة العرب ما بين حروف وأرقام فيما يسمى» العربيزي» وهي كتابة الكلمات العربية بالأحرف الإنجليزية.
المدهش في الأمر أن الضالعين في اللغة الإنجليزية أو اللغات الأجنبية أو الذين عاشوا فترات طويلة في الغرب لا يتعمدون الحديث بالإنجليزية في كل شاردة وواردة ، وقلما يتكلمون بها في المناسبات العامة أو الرسمية ، بل إن مذيعي ال «بي بي سي» البريطانية لا يتحدثون إطلاقا الانجليزية ولا بالعامية في نشرات الأخبار والبرامج إلا بالحدود الضيقة جدا والنادرة ، رغم أنهم يعيشون في إنجلترا ، ويبثون برامجهم من «بوش هاوس» في قلب لندن ، ومن السهل جداً أن يسهو أحدهم «فيعرّبز» ،و في المقابل نجد أن برامج اذاعتنا جميعها وتلفزيوناتنا تقدم برامجها باللهجة العامية بل و لغة الشوارع ، ويظهر جليا الجهل البشع باللغة وأدواتها لدى المذيعين أو المقدمين الأغرار!
وقد يكون لبنان البلد الأول الذي انتهجت بعض محطاته التلفزيونية نهجا شاذا ،إذ تقدم النشرة الإخبارية باللهجة العامية ،وهو ما يدعونه «لبننة» اللغة ، وفي مصر نجد آخر صرعات تدمير اللغة العربية الفصيحة هو إطلاق نسخة من صفحات « ويكيبيديا « باللهجة المصرية المحكية كمكتوبة ، ولاستخدامها تطلب منك إدارة الصفحة أن تكتب باللهجة المصرية ويؤكدون «مصرنة» اللغة ، رغم الخلل الواضح ، واللحن المخيف والقولبة للغة العربية وتشويه المعاني عند استخدام العامية، على الرغم من أن مؤسسات العلم والتعليم في مصر العظيمة وعلى رأسها الأزهر الشريف من أكثر المحافظين على اللغة الفصيحة ويؤكد العلماء والأساتذة هناك على اللهجة الفصحى ، بل تتلمذت أجيال الطلبة العرب على كتب أدباء مصر أمثال رفاعة الطهطاوي ومصطفى المنفلوطي ومصطفى الرافعي وطه حسين وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ويوسف السباعي ومجيد طوبيا.
في الأردن بدأ الأمر ينحى الى أخطر من إهمال اللغة الفصيحة فتعداه لإهمال اللهجة المحلية والنزعة الى تغريبها ، أو لبننة اللهجة عند مقدمي برامج الإذاعات المحلية ، وخطرها أن هذا الوباء يصل عبر الأثير الى القرى البدوية والفلاحية التي هي معاقل اللهجة الأقرب للفصحى ، والى طلاب المدارس الذين كشف لنا وزير التربية والتعليم كما منهم لا يعرفون الكتابة والقراءة ، وهذا ما يدعونا الى المطالبة بإعادة إنتاج المناهج الدراسية من جديد لإعادة اللغة العربية والتربية الوطنية الى معتقدات أبنائنا السلوكية.
عنوان المقال مثال على ما أسلفت، وهو عنوان مترجم لكتاب المفكر الفرنسي «جان غراندان» ترجمه للعربية عمر مهيبل ، وهو كتاب في الفلسفة يناقش تأثير الفلسفة الظاهراتية في المنحى التأويلي في المانيا منتصف القرن الماضي ، ولا أخال العنوان سوى واحد من هرطقات المتفلسفين العرب الذين ما زالوا يتحدثون الفرنسية في بيوتهم وعندهم القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي غير ذي عوج ، فالقرآن سهل ممتنع يفهمه حتى القارئ مترجما الى لغته الأجنبية ، بلا عقدة التغريب واللهث وراء كل ما هو أجنبي ، أنصح الجميع بتعلم القرآن الكريم وهو سيعلمكم اللغة العربية على أصولها.
(الرأي)