"يهودية الدولة" .. تهديد حقيقي للأردن
د.زهير أبو فارس
17-12-2014 06:57 PM
في خضم الأحداث الجارية في المنطقة عموماً، وتلك المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتحديداً ما يرتبط بالتطورات الأكثر خطراً، والمتمثلة بالاعلان عن اقرار اسرائيل لمبدأ "يهودية الدولة"، وما قد ينجم عنه من تداعيات على حقوق الشعب الفلسطيني في الاستقلال والعودة، وكذا على الاردن – الأقرب والأشد ارتباطاً بهذه القضية، والتأثيرات المحتملة لكل ذلك على أمنه واستقراره.
وطبيعي أن تثير هذه الأوضاع مجتمعة الجدل والمخاوف في أوساط الطبقة السياسية، والمجتمع ككل، من انعكاسات ما يجري على الهوية الوطنية الأردنية. وبطبيعة الحال، فإن هذه المخاوف والهواجس مبررة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتهديدات المحدقة بمصالح الأردن العليا وكيانه الوطني، سيما وأن الأردن كان ولا زال يشكل هدفاً دائم الحضور في المشروع الصهيوني في المنطقة، بل إن هذا المشروع يذهب الى ما هو أبعد من محاولات حل واستيعاب تبعات استيلائه على الأرض الفلسطينية على حساب الأردن، الى أطماعه المؤجلة في الأرض الأردنية، وهذا ما يؤمن به قادة اسرائيل، وعلى رأسهم بنيامين نتانياهو، الذي يرى في كتابه "مكان تحت الشمس" في الأرض التي تقع بين نهر الأردن وخط الحجاز أكثر قدسية للشعب اليهودي من حيفا وتل أبيب(!).
إن هذه الأطماع تتطلب اهتماماً حقيقياً ينسجم مع مستوى خطورتها، خاصة وأن اسرائيل تنطلق في فلسفة وجودها من قواعد دينية – توارتية، وليست سياسية يمكن التعامل معها وفق القانون الدولي والمفاوضات، وما الى ذلك من الأساليب المتبعة في العلاقات والخلافات الدولية. والعدو يريد أن تنحرف بوصلة المواجهة معه في بلادنا، من الصراع مع مشروعه الصهيوني الاستيطاني التوسعي، الى الخلاف والتنافس التناحري بين الأخوة في البلد الواحد، بهدف خبيث وهو خلط الأوراق واشاعة الفوضى في بلادنا، وصولاً الى خلق واقع جديد يسهل من خلاله تنفيذ مخططه المشؤوم، المتمثل باستيعاب الأردن لمجمل تداعيات ونتائج استيطان فلسطين واقامة دولة "يهودية نقية" على ترابها، على حساب الهوية الوطنية للأردن أرضاً وكياناً.
واليمين الاسرائيلي المتطرف يقفز الآن الى الأمام للتملّص من الضغوطات الدولية الموجهة لوقف استيطانه واقامة دولة فلسطين المستقلة، بقراره إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، للحصول على تفويض جديد، من مجتمع تغلب عليه العنصرية،لبناء الهيكل المزعوم على انقاض المسجد الأقصى، في ظروف عربية ودولية، يعتبرها ملائمة تماماً لتنفيذ هذا المشروع الخطير، الذي لم يغب يوماً عن أجندات الحكومات المتعاقبة للكيان الصهيوني. والقرار الأخير " بيهودية الدولة" ينهي أية شكوك بجدية القوى الصهيونية الحاكمة في اسرائيل في تنفيذ مشروعها التوارتي على الأرض، مهما كلّف الثمن.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن مواجهة هذا المشروع، وكيف؟ بداية لابد من التأكيد على أن مواجهة الأخطار الخارجية المحدقة بالأردن يحتاج الى توحيد جهود كافة أبنائه في المعركة الطويلة مع المشروع الصهيوني الذي يستهدفنا جميعاً. وكاتب هذه السطور يعتقد جازماً أن المخطط الصهيوني بترسيخ مبدأ "يهودية الدولة" قولاً وعملاً على الأرض، يعني، في المحصلة، تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وهذا سيرافقه، لا محالة، العمل على خلق فتنة الصراع الداخلي واشاعة الفوضى في الأردن، كأحد أهم الأدوات التي يمكن الرهان عليها للوصول الى أهدافه التي لا يخفيها قادته، الذين لن يتوانون عن عمل كل ما يلزم لخلط الأوراق في بلادنا، وصولاً الى "الفوضى الخلاقة"، والقضاء على أي أمل للفلسطنيين بالعودة.
ومن يعتقد أننا قادرون على حماية هويتنا الوطنية الأردنية في ظل الاختلاف والانقسام والصراع والتشرذم، فهو واهم وساذج، ولا يعرف قواعد لعبة الأمم والسياسات الدولية، القائمة على المصالح، وخلق وقائع جديدة بالقوة، وتفجير الأزمات وخلط الأوراق، مهما كانت النتائج، والأحداث من حولنا دليل ساطع على ما نزعم. واسرائيل لا يهمها المعاهدات الموقعة، ومن يستعرض وقائع التاريخ البعيد وشريط الأحداث في المنطقة، الذي لا تزال فصوله مستمرة، لابد أن يكتشف أن المخطط أكبر بكثير من مجرد انفعالات أو مناكفات هنا أو هناك ، فالأخوة يمكن أن يتحولوا جميعاً، ودون استثناء، الى ضحايا حقيقيين في أي لحظة يختارها الأعداء.
إذن، وبعد هذا العرض للواقع والأخطار الكامنة، هل ننتظر انتهاء العد التنازلي وصولاً الى لحظة الصفر، ونُساق الى مصيرنا الذي يُرسم لنا، أم أن هناك بديلاً للمواجهة والخروج بأقل الخسائر الممكنة، ضمن هذه الرؤية للمشروع الصهيوني بالغ الخطورة على الأردن وفلسطين؟.
إننا نزعم أن الحل يكمن أولاً في تعزيز الوحدة الوطنية لشعبنا الأردني بكافة مكوناته وأطيافه، كبديل لأي خلاف أو صراع بين أبناء المجتمع الواحد، من خلال المشروع الوطني، الذي يصهر ويحشد كل الطاقات والامكانات، في إطار الهوية الوطنية الأردنية الجامعة لمواجهة الخطر الصهيوني ومخططاته لتصفية القضية الفلسطينية على حساب فلسطين والأردن. وهذا يتأتى من خلال دولة المواطنة، وترسيخ قيم الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون والشفافية والمساءلة، والمشاركة في اتخاذ القرار، والاسراع في عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي مقومات الدولة الراسخة والمجتمع القوي.
وهذا النهج سيوصلنا الى الحالة المثالية، عندما تكون الكفاءة والنزاهة والانتماء، والالتزام بثوابت الوطن ومصالحه العليا، هي المقياس في اختيار الأشخاص في كافة المواقع لخدمة شعبنا ومشروعه الوطني النهضوي، وعندها فقط يمكننا الرهان على بناء الأردن الأنموذج القوي، القادر على مواجهة التحديات، مهما عظمت، والصبر على الظروف، مهما قست. هذا هو الاتجاه الصحيح للبوصلة شئنا أم أبينا، لحماية الأردن وهويته، ودعم الحقوق التاريخية المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني.
ويقيناً أن ترسيخ هذا النموذج من العلاقات في بلادنا لمجتمع متماسك ملتف حول قيادته ونظامه السياسي، سيكون بمثابة الصخرة الصلبة التي ستنكسر عليها كافة المشاريع والأطماع والمخططات العدوانية على الأردن وفلسطين في آن معاً.
(الدستور)