العاطفة عتبة أولى نحو العقل العربي
شحاده أبو بقر
17-12-2014 02:36 AM
كرم الله سبحانه وتعالى إبن آدم بنعمة ً العقل ً دون سائر مخلوقاته كي يفكر ويتفكر في الوجود من حوله قبل أن يتخذ القرار بممارسة الفعل ، وزاد الكريم تكريم إبن آدم ب ً العاطفة ً كي تكتمل أنسانيته ، وبالطبع لم يحرم العزيز مخلوقاته من الحيوان من نعمة العاطفة كي تحنوا على صغارها وتوفر لها الحماية والقوت ، والعقل والعاطفة أمران متلازمان ، ولكل منهما حدوده مع أفضلية للعقل في حالات ، وأخرى للعاطفة في حالات ، ومن الطبيعي في شرعة الوجود أن الناس يتمايزون فيما بينهم بحسب قدرات كل منهم على توظيف العقل حيث يجب ، والعاطفة حيث يجب .
الانسان العربي بطبعه ووفقا لبيئته الاجتماعية وما يندرج في إطارها من عادات وتقاليد يصنف على انه ذو عاطفة طاغيه ، ولهذا فإن الطريق الى عقله لا بد وأن يبدأ بعاطفته ، كوسيلة لتهيئته للإستجابة والتأثر بما يسمع ويرى ، وكلما كان الطرف الآخر مبدعا في إستثارة العواطف كلما نجح في إستمالة العربي اليه والى فكرته وقراره وما يريد ، ولنا في التاريخ العربي شواهد عديدة تزيد من وجاهة هذه المعادلة الإنسانية في الذات العربيه ، فالعربي وتلك ميزة لا مثلبه ، سريع التأثر بما يدور حوله من أحداث ، وهو بالتالي صاحب حمية ونخوة يمكن ان يدفع حياته ثمنا لها على ان لا يقال عنه جبانا او عاجزا عن إجارة مستجير او نصرة مظلوم او صاحب حاجة ، وتلك خاصية جعلت العربي كريما على نحو ليس عليه احد سواه من قاطني المعموره ، وهو يفرح بلا حدود ويحزن بلا حدود ويغضب كذلك بلا حدود ، ولا يجد غضاضة في ان يشهر سلاحه إذا ما أحس بالإهانة ولو بالكلام دون الفعل ، وهو في المقابل يعفو ويصفح ويتنازل عن سائر حقه إكراما للآخر إذا ما جاءه ودخل بيته طالبا الصفح .
تلك شيم عربية جليلة وجميلة تصلح لأن يبنى عليها ، ولكن في بيئة ذات هوية عروبية مكتملة المواصفات والشروط لا مكان واسعا فيها لما هو غريب عنها ، إلا في حدود ما يضيف اليها جديدا نافعا لا تعارض فيه مع ثوابتها ، فالعروبة عند العربي ليست مجرد هوية وحسب ، وإنما هي ركن رئيس في عقيدته وإيمانه وتاريخه وإرثه وحتى وجوده ، ولهذا ينطق تاريخنا العربي الحديث بأسماء رموز ما زال الكثيرون يمجدونهم حتى برغم أخطاء مصيرية إرتكبوها تحت وطأة النخوة العاطفية ، فقد أبدع اؤلئك الرموز في إلهاب عواطف ومشاعر الجماهير في خطبهم ومواقفهم وقراراتهم الى حد تعطلت فيه آلية العقول أمام لهيب العواطف الجياشه ، ولم تأت النتائج وفق ما تمنى الجميع ، ومع ذلك فالعرب جميعا ربما ، يواظبون على إستذكار تلك الرموز بكثير من الإعجاب والثناء محملين من يصنفونهم بالعملاء والامبرياليين وزر ما آلت اليه الاحوال .
من هنا فلا مجال للشخص العام لأن ينجح ويستقطب عواطف وعقول الجماهير في عالمنا العربي ، إلا اذا أبدع في صياغة خطابه السياسي الموجه لتلك الجماهير بصورة تحرك المشاعر إبتداء ، قبل أن تنفذ الى العقول ، بمعنى ان العقل عموما والعقل العربي خصوصا هو بمثابة الارض المراد زراعتها ، فلا بد من تمهيدها وحراثتها وتهيئتها إبتداء قبل الشروع في زراعتها ، وألا فلن تثمر ، وحتى وإن أثمرت فسيكون ثمرها مشوها قلما يصلح للاستهلاك ، وعليه ، فالخطاب السياسي الموجه لن يجد أذانا كثيرة صاغية إن لم يبدأ في تحريك مشاعر السامعين والمتلقين عموما قبل ان يغوص في اعماق ما يريد ، وهذا بحد ذاته ً إبداع ًيحرص صناع القرار في الدول والمجتمعات على مقاربته بقوة كي يكون الخطاب مؤثرا والقرار متقبلا بالتالي ، وكم من قرارات صائبة خسرت تفاعل الجماهير إيجابيا بعد أن إفتقرت الى هكذا إبداع ، وكم في المقابل من قرارات خاطئة صفقت لها الجماهير تحت وطأة ذلك الإبداع الذي أعني .
بإختصار شديد ، لا يمكن للسياسي أن يبرز في عالمنا العربي عموما ، إلا إذاع أدرك السر في القدرة على أستدرارتعاطف الجماهير مع سياساته وقراراته ، ليجد منها الدعم والقبول ، خاصة إذا ما حرك فيها مشاعر الاعتزاز بعروبتها وعقيدتها وتاريخها وامجادها ، وبخلاف ذلك فلا سبيل الى إستقطاب الناس وضمان تفاعلهم المطلوب والمهم والاساسي مع القراراو التوجه ، والسياسي المبدع هو الذي يخاطب الناس ببساطة هي الاقرب الى حياتهم اليومية وقناعاتهم الذاتية ليجد عندهم القبول والتقبل ، عندما تكون توجهاته منسجمة مع توجهات المجموع او الاغلبية ، واكثر اهمية من ذلك ، سيجد عندهم التصدي لخصوم افكاره وقراراته تلقائيا و دونما توجيه او عناء يذكر ، والله من وراء القصد.