تبدي مصادر رسمية وإعلامية عربية تذمراً وحالة من عدم الرضى إزاء الحراك الأخير بين حركة حماس وطهران، من أجل ترميم الجسور التي تكسّرت في الأعوام الثلاثة الماضية بسبب الأحداث في سورية.
أليست الأنظمة العربية نفسها هي من سدّت الأبواب بإحكام أمام الحركة، وحاولت خنقها، والتخلص منها بالكلية خلال الأعوام الماضية، واعتبرتها خصماً وعدواً لدوداً، وجعلت مجرد التواصل معها أو دعمها جريمة توصم بالإرهاب والخيانة العظمى؟!
فيما قبل مرحلة "الربيع العربي"، تحالفت حركة حماس مع كلّ من إيران وسورية وحزب الله، وفتحت لها دمشق الأبواب مشرعة، وأصبحت مقرّ قيادتها؛ فيما تولت إيران دعمها لوجستياً ومالياً وعسكرياً بصورة فعّالة وحيوية، وساهم حزب الله في بناء قدرات وخبرات الحركة. وقد شكل هؤلاء سويّة محوراً إقليمياً ومعسكراً سمي بـ"الممانعة".
وخلال تلك الفترة، تأسس محور "الاعتدال العربي" ردّاً على المحور الإيراني، ونشطت الدول العربية في مواجهته، كما نشطت الاتهامات بـ"تشييع المنطقة"، دينياً وسياسياً، وتحول "حماس" والإخوان المسلمين إلى أدوات للنفوذ الإيراني، عبر استخدامهما لخدمة المصالح الإيرانية.
ثم في المرحلة الأولى من الثورة السورية، وقفت قيادة "حماس" موقفاً وطنياً وأخلاقياً محترماً، وضربت بتحالفاتها السابقة عرض الحائط، وضحّت بمصالحها مع إيران وسورية وحزب الله، وتخلت عن ذلك، كي لا تصطدم بخيارات الشعوب العربية. وراهنت على "الربيع العربي". لكن بعد الانقلاب في مصر، والضغوطات في تونس، ومع إعادة هيكلة أجندة الدول العربية المحافظة لتصبح الأولوية مواجهة المحور التركي-الإخواني المفترض أو المتوهّم، وجدت الحركة نفسها، مرّة أخرى، في مقدمة قائمة الخصوم والأعداء على أجندة "المعسكر العربي المحافظ"!
خسرت "حماس"، خلال الأعوام القليلة الماضية فقط، الحليف والسند الإقليمي الرئيس، أي المحور الإيراني ودعمه الهائل، وحظيت بنصيب أكبر من عداء الدول العربية، مع احتضان لخصم الحركة، محمد دحلان، ومشروعات ضمنية لاستئصالها من غزة، وإحكام الحصار عليها، حتى في مشروع "إعادة الإعمار" بعد العدوان الإسرائيلي الأخير!
موجة العداء والتحريض العربية تجاه حركة حماس وصلت إلى مرحلة متقدمة عبر الاتهامات المتتالية لها لتخريب علاقتها بالسلطة الفلسطينية، وإجهاض فكرة حكومة الوفاق الهشّة أصلاً. ويصل الأمر إلى تحميل الحركة، في القنوات الرسمية العربية غير المعلنة، مسؤولية محاولة تأجيج الاحتجاجات في القدس ضد محاولات التهويد الإسرائيلية والانتهاكات الأخيرة!
في الخلاصة، إذا كانت الدول العربية لا تريد لحماس أن تذهب إلى طهران وأن تصلح علاقتها معها، كي لا تكون أداة للنفوذ الإيراني، فإنّ السؤال البدهي: لماذا لا تحتضن هذه الحكومات نفسها حركة حماس، وتوظفها هي وتستخدم هذه الورقة في مواجهة اليمين الإسرائيلي الماضي في تهويد الدولة والقدس، وغير المعني بالتسوية السلمية؟!
حتى لو كانت أيديولوجيا "حماس" لا تروق للحكومات العربية العاشقة للسلام والمؤمنة به حتى العظم، وترى في هذه الحركة خطراً أكبر من إسرائيل نفسها ومواجهتها مقدّمة على إيران وحلفها؛ فهل يملك المعسكر الرسمي العربي بديلاً أو جواباً آخر على المشروع الإسرائيلي؟!
ثمّة إبداع سياسي ودبلوماسي عربي: لا نريد إيران، ولا تركيا، ونحارب الإخوان المسلمين وحركة حماس؛ ولا نملك بدائل في مواجهة المخططات الإسرائيلية؛ ولا نعرف ماذا نفعل مع تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة؛ ونريد أن نوقف التحولات الديمقراطية لأنّها مقلقة وخطرة، ولا نملك أي رصيد حقيقي في مشروعات التنمية الاقتصادية ومواجهة البطالة والفقر والحرمان الاجتماعي والضغوط السكانية.
ماذا تريد الحكومات العربية فعلاً؟ هل الإمساك بـ"الوضع الراهن" ممكن؟ وهل هو مثالي إلى هذه الدرجة؟!
(الغد)