الغاز الإسرائيلي والبديل العربي
د.حسام العتوم
16-12-2014 01:57 PM
تصاعدت في الآونة الأخيرة نبرة الحديث وسط الرأي العام الأردني في الشارع وفي البرلمان حول حاجة الأردن وتوجه لشراء الغاز من (إسرائيل) وفق عقد تجاري تشرف عليه أمريكا وهو تحديداً بين شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) وشركة (نوبل انيرجي) الأمريكية العام الحالي 2014 من حقل (لفتيان) وسط البحر المتوسط وبفارق تجاري لصالح الأردن بحجم (1,5) مليار دولار سنوياً بالمقارنة مع الأسعار العالمية له خاصة من الدول العربية مثل قطر وبعد اعتذار الجزائر عن تقديمه لنا، وهنا لا بد من تفهم آراء الجميع فالشارع الأردني على حق عندما يعارض رغم أنه صاحب الحاجة الأول والأخير وهو غير متفهم للاقتراب تجارياً من إسرائيل رغم وجود معاهدة سلام معها منذ عام 1994 أشرف عليها مليكنا العظيم الراحل الحسين وصوت عليها البرلمان آنذاك، فالسلام مع إسرائيل لم يعني حتى الساعة شعبياً وإعلامياً التطبيع المبكر معها في وقت هي لا زالت فيه محتلة لفلسطين والجولان السورية ومزارع وتلال شبعا اللبنانية، وسبق لها أن ارتكبت عدة جرائم ضد الإنسان العربي في الأراضي الفلسطينية ومنها في غزة، وأيضاً في جنوب لبنان، ولا زالت تعتقل آلاف العرب في سجونها وتنشر المستوطنات وتحشوها باليهود الغزاة المهاجرين من شتى أرجاء المعمورة، وتتطاول على المقدسات الإسلامية والتي في مقدمتها القدس الشريف وتسيء للوصاية الأردنية ذات الطابع الهاشمي التاريخي، وتعيق السلام مع العرب وتصر على فرض شروطها من منطلق القوة والتفوق العسكري.
من جهة أخرى يحق للبرلمان الأردني أيضاً أن ينقسم على نفسه بين مؤيد ومعارض لصفقة الغاز هذه وهو بالتأكيد ليس برلمان عام 1994 ولقد مضى على ذلك الزمن 20 عاماً عندما وقعت معادة السلام وتعاقبت عليها أجيالاً عديدة وألوناً عديدة من الطيف السياسي الوطني والقومي والإسلامي تعارضها رغم أنها أصبحت واقع ومن المسلمات، وهي أي إسرائيل التي احتلت فلسطين عام 1948 دفعت عصبة الأمم المتحدة عام 1947 للاعتراف بها وقسمت فلسطين لتقوم دولة عربية فلسطينية إلى جوارها، وعندما حان وقت قيام الدولة بعد احتلالها لفلسطين الـ1967 وعاصمتها القدس الشريف أخذت تماطل وتفرض شروطها التعجيزية التقسيمية وتتطاول على قطاع غزة وتقتل الآلاف منه دون رحمة وعلى طريقة الإبادة الجماعية النازية التي كان ينتهجها أدولف هتلر أبان الحرب العالمية الثانية 1940/1945، والدولة الأردنية عبر حكومة الدكتور عبدالله النسور الحالية محقة أيضاً في مشروعها الغازي هذا مع (إسرائيل) لعدم وجود بديل عربي مناسب مثل قطر حيث سعر توريد مادة الطاقة هذه المادة المسيلة الهامة إلينا ولاعتذار الجزائر عن توقيع عقد تجاري غازي معنا لأسباب خاصة بها، ولعدم استقرار توريد الغاز تجاهنا من سيناء مصر وهو أمر مستغرب بالطبع رغم قوة الدولة أمنياً وعسكرياً، ونتيجة مباشرة للفوضى الدموية في سوريا وفي العراق بسبب أزمتهما السياسية المعقدة الناجمة عن انهيار نظام العراق السابق بعد اجتياحه من قبل الناتو وإيران عام 2003، وبسبب تأرجح نظام دمشق وقرب احتمال سقوطه أيضاً وتغول فصائل الطابور الخامس الديني المتطرف إلى داخلهما بقيادة داعش (ISIS) وتنظيم القاعدة الإرهابيين.
الغاز العربي موجود وبكميات احتياطية وفيرة ولقد وزعته الطبيعة على أقطار عربية مثل قطر والسعودية والإمارات والعراق والجزائر ومصر والكويت وعُمان واليمن وبنسب مئوية إنتاجية متفاوتة تتراوح من (1%-25%) من احتياطي العالم، وهو موجود في الأردن حيث تم اكتشافه عام 1987 بحجم احتياطي يقارب الـ(230) مليار قدم مكعب في حقل الريشة القريب من العراق وهذه الكمية متواضعة جداً ولا تسد حاجة السوق المحلي رغم مساهمتها في تغطية (10%) من حاجة المملكة من الكهرباء، وفي المقابل يعتبر الأردن أحد أهم دول العالم في مخزون الصخر الزيتي وهو الذي سوف يشكل (11%) من الطاقة البديلة عام 2015 و(14%) عام 2010 باحتياطي يصل إلى 40 مليار طن، وحسب دراسة وكالة الطاقة الأمريكية فإنه سيغطي ما مجموعه (69) مليار برميل من النفط، ويبلغ احتياطي الأردن من اليورايوم وفق معلومات هيئة الطاقة الذرية الأردنية حوالي (65) ألف طف، وهو غني بالطاقة الحرارية الجوفية، والفوسفات تغطي (60%) من مساحة الوطن.
المهم هنا أن علينا جميعاً أن نعرف بأن بترول وغاز الأردن الحقيقي يكمن في جوهر علاقاتنا المتوازنة مع دول العرب والأجانب، وفي متن الحراك الملكي الحكيم إن صح التعبير الذي يقوده جلالة الملك ببعد نظر ملاحظ على خارطة العالم دون كلل أو ملل، فنلحظه تارة في روسيا وأخرى في أمريكا وثالثة في اليابان ورابعة في مصر وخامسة في السعودية وهكذا دواليك.
في إعادة تموضع وانتشار خطوط الاعتدال العربي بزعامة مصر السيسي وبدور نشيط للأردن ودعم مباشر من السعودية ودول الخليج بدأنا نتفاءل خيراً من جديد، وفي المقابل نريد خارطة جديدة لوطننا العربي تبعث فينا الشعور القومي المعتدل المتلاحم مع أدياننا السماوية المسحة المسيحية والإسلامية وتلبي دعوة ثورتنا العربية الكبرى 1916 باتجاه الوحدة والحرية والحياة الفضلى. يقول الملك عبدالله الأول بن الشريف حسين في كتابه (حقبة من تاريخ الأردن – الآثار الكاملة للملك عبدالله بن الحسين، ص227) الأمة العربية كجسم بلا رأس أو كجسم له رؤوس كثيرة، فأما الجسم الذي بلا رأس فهو حائر لا يهتدي، وأما الجسم الذي له رؤوس كثيرة فهو حائر لا يدري أيها يتبع، وهنا حري بنا أن نستقي الحكمة من خطاب الملك عبدالله الأول ونعمل كعرب على ترتيب بيتنا من الداخل وهو ما دعا إليه الشريف الحسين بين علي أيضاً بحيث يصبح لنا جيشاً واحداً واقتصاداً واحداً وعاصمة واحدة مع بقاء كل نظام سياسي في مكانه.
كتاب الحركة العربية للمؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى (ص694/695) ذكر بأن الملك حسين قام بالثورة 1916 وهو يعتقد اعتقاداً جازماً بأن الوحدة العربية ستكون من جملة نتائجها، وشبّه روابط الوحدة كتلك التي بين الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد، فهل يقرع الاعتدال العربي جرس الوحدة العربية المنشودة ويريح العرب ويبني لهم مستقبلاً زاهراً بين الأمم يحترمون عليه جيلاً بعد جيل؟ دعونا نتأمل ونتوق للوحدة وننتصر على الامتداد غير المشروع لما يسمى بدولة داعش (ISIS) الإرهابية التي وصل عدوانها إلى أستراليا حسب آخر المعلومات الإعلامية، وفي نهاية المطاف العرب معنيون بتزويد الأردن بمادة الغاز بأسعار تفضيلية والشقيق وليس الصديق فقط وقت الضيق كما نقول بالعامية وليترفع العرب عن قطريتهم. وستبقى إسرائيل في نظرنا كما السارق الذي يبيع ما سرقه بسعر أقل والله من وراء القصد.