بعد المشادة الكلامية بين رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة والنائب أمجد المجالي، على خلفية صفقة الغاز الإسرائيلي، توترت الأجواء تحت القبة، وشرع نواب على عجل بتوقيع مذكرة نيابية لحجب الثقة عن الحكومة.
ليست المرة الأولى التي يبلغ فيها الانفعال النيابي حد طرح الثقة بالحكومة؛ فقد لجأ نواب لهذا الأمر عدة مرات، كان آخرها قبل أشهر، عندما صوت المجلس بالفعل على الثقة بالحكومة لامتناعها عن تنفيذ توصية الأغلبية النيابية بقطع العلاقات مع إسرائيل بعد قيام أحد جنودها باغتيال القاضي رائد زعيتر.
لكن نتيجة التصويت يومها جاءت مخالفة لطلب الأغلبية بسحب الثقة؛ إذ صوت أكثر من ثلثي النواب لصالح الحكومة. وقد وضعت تلك النتيجة مجلس النواب في موقف محرج أمام الرأي العام، كان يمكن تفاديه بقليل من الحكمة.
السؤال المطروح على أصحاب المذكرة الجديدة: هل ستختلف نتيجة التصويت هذه المرة عن سابقتها؟
المعطيات تفيد بأن موقف النواب في قضية الغاز الإسرائيلي أقوى من موقفهم في قضية القاضي رائد زعيتر. فالمطلوب ليس قطع العلاقات مع إسرئيل، بل إلغاء صفقة تجارية لا أكثر. كما أن هذا المطلب يحظى بدعم نيابي أكبر من الدعم الذي توفّر لمطلب قطع العلاقات مع إسرائيل.
لكن، وفي المقابل، فإن كلفة حجب الثقة عن الحكومة في الحالتين باهظة سياسيا. إسقاط الحكومة في حالة الشهيد زعيتر كان يعني إلزام الحكومة الجديدة بقطع العلاقات مع إسرائيل. وفي موضوع اتفاقية الغاز، يتوجب على الحكومة التي ستخلف حكومة د. عبدالله النسور أن تُسقط الفكرة نهائيا. هل تتحمل مؤسسات الدولة قرارا كهذا، بكل ما يترتب عليه من تبعات اقتصادية وسياسية؟
صعب جدا أن نقول نعم؛ فليس هناك من مؤشرات على استعداد الدولة للقيام بانعطافة كبيرة كهذه، إلا إذا توفر بديل قوي يعوض الخسائر المترتبة عليها.
على المستوى النيابي، أظهرت محاولات حجب الثقة السابقة أن توقيع النواب الـ150 على مذكرة لطرح الثقة لا يعني شيئا؛ فليس أسهل على النواب من تغيير موقفهم في اليوم التالي تحت القبة.
وإذا شاءت الحكومة اليوم أن تجعل من طرح الثقة فرصة للتصويت لصالح اتفاقية الغاز، فإن بمقدورها أن تمضي بثقة نحو هذا التحدي، ومن المرجح أن تفوز في النهاية.
إن أقصى ما يمكن للنواب عمله في هذه المرحلة، هو الدفع باتجاه تأجيل توقيع اتفاقية الغاز، والمقرر قبل نهاية العام الحالي، إلى حين الانتهاء من مناقشة وإقرار قانون الموازنة، ودراسة مختلف بدائل الطاقة المتاحة، والتقدم ببيان شامل للرأي العام يشرح كل الحقائق، ليتحمل الجميع مسؤولياتهم بعد ذلك.
يعلم أقطاب المجلس قواعد اللعبة السياسية في البلاد. ولذلك، يتعين عليهم التفكير مليا قبل خوض تجربة فاشلة من جديد، ترتد سلبا على شعبية النواب المتواضعة في الأصل.
منح الثقة للحكومة أو سحبها دائما بقرار. لم يتغير الوضع بعد، وعلينا الانتظار إلى حين نضوج التجربة النيابية، ليتسنى للنواب بعد ذلك أن يأخذوا القرار بيدهم. لماذا تصرون على إحراج أنفسكم؟
(الغد)