(أغلقوا فرع "داعش" في الأردن)
جمانة غنيمات
14-12-2014 03:08 AM
يعود الطفل ابن الصف الخامس الابتدائي، في إحدى مدارس عمان الحكومية، بمعلومة جديدة صادمة لوالده، تقوم على تكفير أتباع الأديان السماوية الأخرى.
حاول الوالد، بكل ما أوتي من جهد، إقناع طفله بغير ما تعلمه من أستاذه الذي يسعى إلى زرع أفكار في عقول صغارنا، نتائجها رفض الآخر، والانقلاب على مبدأ التعايش الراسخ في المجتمع الأردني.
قصة أخرى من وادي عربة، حيث تمارس معلمة الرياضة دور الداعية، لا إلى الخير بل نقيضه. فبدلا من توظيف الوقت المخصص لها في تفريغ طاقات الطلبة، تسعى إلى حشو رؤوسهم الصغيرة بأفكار مريبة.
ولو أجري بحث استقصائي، لاكتشفنا كثيرا من هذه النماذج التي تخلت عن دورها التربوي، ولبست ثوب الدعاة إلى الفرقة والفتنة.
خطير ما يحدث في مدارسنا، كونه يصب في تغيير بنية المجتمع الأصيلة، والقائمة على التسامح والسلمية والاعتدال والوسطية. وهو تغيير يهدد بواقع مرير، سيدفع ثمنه الجميع، إن ترك من دون علاج.
وزارة التربية والتعليم تنبهت لهذه الحالة، وبدأت ترصد التشوهات وتسعى إلى علاجها؛ بداية بالتنبيه، وإرسال كتب رسمية تمنع الأساتذة من الخروج عن المناهج. وثمة خطوات أخرى تسعى الوزارة إلى تنفيذها لمحاصرة تغلغل تيارات بعينها، تبث أفكارها لأطفالنا؛ وذلك من خلال البدء بتغيير مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية للصفوف الثلاثة الأولى، لهدف واحد رئيس، هو تمكينهم من تعلم القراءة والكتابة، بعد أن اكتشفا أن 130 ألفا منهم أميون! ليلي ذلك بناء مناهج عمادها إعادة تكريس مفاهيم عامة لدى الطفل، لاسيما احترام الآخر وقبوله. هذا بالتزامن مع محاضرات ودورات تدريبية للطلبة والهيئات التدريسية، لإنجاح الخطوة السابقة.
الجهد المبذول، من خلال تفعيل دور المشرفين التربويين، ضروري لإيصال رسالة حازمة لكل أستاذ. فاللعب على وتر التمييز والاختلاف والإقصاء، سيجرف الجميع، من دون استثناء، نحو مصير مجهول لكنه خطير. وهو ما دفع إلى محاولة متابعة المعلمين خارج إطار المدرسة، للوقوف على توجهاتهم الشخصية التي تجد صداها، حتماً، في الغرف الصفية.
كل هذا لمحاصرة التطرف. بيد أن الجميع يعلم أن ليس للتطرف دين. وكما يقال، فإن ثمة أكثر من وجه في مدارسنا لمحاولات زرع أفكار لا ندري إلى أين تصل بنا؛ ترتبط بتكريس ثقافة الإقصاء وإلغاء الآخر وتهميشه.
المشكلة موجودة، لكنها لم ترتقِ إلى حد الظاهرة، كما يؤكد وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، الذي يدرك المشكلة ويسعى إلى محاصرتها لدى الجيل المقبل على أقل تقدير، حتى لا تصبح جزءا من ثقافتنا.
مدارسنا تبثّ التطرف، وجامعاتنا كذلك. وتجد الطفل والشاب يعودان من مدرستهما أو جامعتهما بأفكار مرعبة حد الصدمة، حتى لوالديهما. وهذا الثمن الذي يدفعه الجميع، هو نتيجة مسار سيطرة فكر ديني على المناهج والتعليم، مضت عليه عقود، ويزج بأجيال المستقبل في مناطق الخطر.
الشكوى من المناهج قديمة. وقد بدأ علاجها، متمنين أن يحقق المطلوب؛ لتتوفر لأبنائنا مناهج تدعم التفكير الإبداعي الخلاق، بدلا من التلقين. وفي ظل تراكم حجم المشكلة وتعقدها، يبدو الحل مستعصيا، لكن لا مناص من البدء، حتى لا نبقي أجيال المستقبل رهينة دائرة ضيقة تلتهم أبناءنا وتسخرهم أدوات جاهزة بيد التيارات المتطرفة.
ورغم ضعف الإمكانات لإضافة مناهج جديدة بالكامل، إلا أنه لا بد من البدء بتوفير مناهج تبدأ مع الأطفال منذ الصفوف الأولى، وترتبط بالفن الحقيقي والموسيقى والرقص والأدب والقصة، وترتقي معهم وبهم ليكون للطالب لاحقاً الحق في تعلم الفلسفة التي تفتح الباب واسعا للتفكير العلمي الناقد الذي يرفض التسليم بأي أفكار من دون بحث مستفيض ونقاش عقلي.
بالتعليم، قبل أي شيء آخر، نسد الباب في وجه التشدد الذي يتغلغل فينا لدرجة خطيرة. ولأن الحرب على الإرهاب هي حربنا؛ فالأولى أن نعالجها في الداخل، والبدء يكون من مدارسنا.
(الغد)