لا نريد لـ«لعنة» الطاقة أن تطاردنا .. !!
حسين الرواشدة
13-12-2014 02:55 PM
هل كان يخطر في بال أحدنا - قبل عامين مثلاً- أن يكون ( استيراد الغاز من إسرائيل) موضوعا للنقاش العام في بلدنا؟ لا أدري، ولكنني اعتقد أننا ندفع ضريبة ما جرى من تحولات في عالمنا العربي، خاصة بعد أن ألقت الثورات العربية ( عصاها)، وخرجت العواصم الكبرى من مارثون السباق السياسي، وانتصبت الحروب كشاهد وحيد على الحل المطلوب، لمواجهة ( تسونامي) هذه المرحلة التاريخية بكل عواصفه وهيجانه.
لابد أن نقرأ ما حدث بعيون مفتوحة على الفهم أولاً، وعلى المصلحة الوطنية ثانيا، وعلى المستقبل لا على الحاضر فقط، ومن المفارقات أن تصاعد الطلب العربي على التطبيع مع (إسرائيل)، كما جاء في تصريح وزير الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي، يعكس جانبا من الصورة التي كشفتها مرحلة ما بعد الثورات العربية، وهي ذات المرحلة التي شهدنا فيها تمدد النفوذ الإيراني، وبروز (الإرهاب) كبطل اممي يجري الاحتشاد لاستئصاله واستثماره أيضاً، وانكشاف الظهر العربي الذي غاب حضوره ومشروعه أيضا، مما يعني أن ثمة تحولا خطيرا في تحديد الأدوار والأعداء وفي تقرير المواقف والواجبات، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة - التي كانت محرمة أو ربما باردة - بين الدول العربية واسرائيل.
هذا على صعيد الفهم، أو جزء منه على الأقل، أما على صعيد المصلحة الوطنية فقد كانت قضية ( التطبيع) مع اسرائيل مجالا للرفض الشعبي منذ أن تم توقيع معاهدة وادي عربة، وفي الاستطلاعات - غير العلمية - التي جرت مؤخرا حول موضوع الغاز أعرب نحو 80% من المستطلعين الاردنيين أنهم ضد الشراء من إسرائيل، كما أن التوصية التي صدرت من مجلس النواب جاءت في هذا الاتجاه، ومهما كانت الضرورات، فإن القضية بالنسبة للرأي العام تتجاوز ( الاقتصاد) وقلة البدائل الى مجالات أخرى تتعلق بالذاكرة الوطنية المزدحمة بصور الممارسات الإسرائيلية ضد أمتنا وبلدنا.
قد يجادل البعض ويقول: إن البدائل غير متوفرة، فالجزائر رفضت العرض الأردني، و القطريون لم يحسموا أمرهم، وانقطاع الغاز المصري كلف الخزينة ما لا تطيقه، أو يقال بان اخواننا الفلسطينيين يشترون الغاز من اسرائيل، أو أن الشركة التي تم التعاقد معها شركة أمريكية، هذا – بالطبع- قد يبدو مفهوما، لكنه غير مقنع، فانعدام البدائل ربما يكون مؤقتا لكن بوسعنا أن نبحث عن جهات أخرى، وقبل ذلك أن نستثمر في ( الغاز) الذي ثبت بأنه موجود في بلدنا، إضافة الى بدائل الطاقة النظيفة الأخرى.
بعيدًا عن منطق “التحدي” وعن خطاب المزايدات السياسية التي انحاز لها البعض، يمكن أن نناقش القضية بهدوء، و ان نطرح ما لدينا من سيناريوهات، لكن علينا ان نتذكر دائمًا عدة حقائق منها ان المسألة ليست اقتصادية فقط،
وانها وان كانت تحل مشكلتنا في الغاز، الا انها ترتب علينا ازمات اخرى لها فواتيرها السياسية الباهظة على صعيد وحدة مجتمعنا، و منها ان ملف التطبيع الذي سبقتنا بعض الموسسات المدنية في الدول الغربية الى حسمه باتجاه مقاطعة البضائع و الجهات الاسرائيلية المتورطة في الاستيطان، هذا الملف ما زال ملتبسًا لدينا و من الواجب ان نحسمه ايضًا و لا اعتقد ان المعاهدة بيننا و بين اسرائيل تمنعنا من ذلك، فقد كانت تل أبيب هي اول من كسرت بنود هذه الاتفاقية، زد على ذلك اننا في هذه المرحلة بالذات، نحتاج الى توصيل رسائل تحفظ تماسك مجتمعنا وتعيننا على مواجهة النيران التي تحيط بنا و العنف الذي يطرق ابوابنا.
باختصار، لابد ان نطرد لعنة الغاز (ان شئت الطاقة) التي ما تزال تطاردنا، وان ننحاز لمنطق الحكمة عند اتخاذ قراراتنا خاصة اذا كانت هذه القرارات لها علاقة بقضايا حساسة تستفز مشاعر الناس. الدستور