أشارك في مشروعين ما يزالان في مرحلتهما الجنينية. الأول، هو سيناريوهات الأردن حتى العام 2030. والثاني، مشروع للحوار الوطني حول المستقبل. وأفكر لو أن المشروع الأول أُنجز قبل اللجوء السوري، والثاني أُنجز قبل أن "تدعش" ما يسمى "الدولة اﻻسلامية في العراق والشام" على نصف البلدين، فأي مكان لهذا الجهد غير سلة المهملات! فحتما أن التصورات لن تكون قد أخذت بالاعتبار الحقائق الجديدة المتولدة عن هذين الحدثين.
ولن يكون في الذهن التحديات النوعية الطارئة. ولا يستطيع المرء تخيل تصور للمستقبل حتى بعد وقوع هذه الأحداث؛ فتقلبات الأوضاع الإقليمية يمكن أن تداهمك غدا بأي جديد لا يخطر على البال.
يمكن من باب الرياضة الذهنية الاستمرار في لعبة سيناريوهات المستقبل، واشتقاق أشكال الاستجابة الممكنة والمحتملة لها.
لكن لا شيء يفيد لمدى يذهب أبعد من عام أو عامين أو ثلاثة أعوام؛ أي التعامل مع المعطيات الفعلية القائمة والخطط العملية للتعامل معها.
مثلا، الوجود السوري أمر واقع، على الأقل للعامين المقبلين، ويجب أن نضع تصورا لكيفية إدارته. إن أحد الآثار العملية هي تحول اللاجئين إلى عمالة وافدة، أوسع من العمالة المصرية. وهي تتجه للتوسع. ولن يكون ممكنا افتراض أن البالغين السوريين سيبقون يعيشون وعائلاتهم على راتب من منظمة الأمم المتحدة للاجئين، وهو راتب لن يكفي، هذا إن لم ينقطع!
ها نحن، على كل حال، رأينا تباشير تراجع الالتزام الدولي في أهم نوعين من المساعدة، وهما الغذاء والدواء. فقد تعهد الأردن بعلاج اللاجئين في مستشفياته ومراكزه الصحية، حتى إذا تم إرسال الفواتير للهيئة الدولية، امتنعت عن دفعها.
مما اضطر وزارة الصحة لوقف العلاج المجاني. وأصبح على السوري أن يدفع مثل الأردني غير المؤمن صحيا.
وقبل أيام، تم الإعلان عن وقف الإمدادات الغذائية عن اللاجئين خارج المخيمات، فجاءت مساعدات طارئة لاستئناف تلك الإمدادات. لكن من الواضح أن الديمومة ليست مضمونة أبدا.
ما العمل، إذن، في قضية عيش السوريين؟ قرأت مثلا عن أفكار لتحويل المخيمات إلى مكان عمل وإنتاج بين اللاجئين وللاجئين. وهذا موجود بصورة أولية محدودة؛ إذ يفتح أناس هناك محال تجارية ومصالح. لكن يمكن التوسع بهذا الأمر، وتكييف المخيم ليصبح أمام كل مجموعات الخيم "حواكير" للزراعة. وفتح الباب لكل المهن، واستحداث وظائف إدارية ليصبح هناك إدارة ذاتية ممولة ذاتيا، أو من الجهات الدولية، مع احتفاظ الاردن فقط بالمسؤولية الأمنية والسيادية.
أي تقريبا تحويل المخيمات إلى مدن مؤقتة، وليس مراكز إيواء وإغاثة لعطالة مكدسة لزمن مفتوح. وقد يعني ذلك، مثلا، إعادة تخطيط مخيم الأزرق وفق هذه الفكرة، وكذلك مخيمات مثل المخيم الإماراتي، حيث يستلم السكان ثلاث وجبات جاهزة، فكيف يمكن أن يدوم أمر كهذا!
طبعا، هذه الأفكار خلافية. لكن يجب تنشيط الحوار وتبادل أفكار خلاقة حول الوضع، بدل تلقي التطورات والاستسلام بصورة مستمرة للواقع الذي تفرضه، ومن ذلك وجود أكثر من نصف مليون عامل سوري نشط في المدن والقرى الأردنية، وهم مرشحون للزيادة.
المساعدات الدولية ستستمر بصورة أو أخرى، ومن مصادر مختلفة. لكن يجب أن نقرر كيف نستخدمها؛ هل نستمر بالصيغة الاستهلاكية الراهنة، أم يجب أن نحول جزءا منها لدعم خطط نضعها لصيغة وجود اللجوء السوري في الأردن؟ ما نفعله حتى الآن يقوم على اعتبار هذا الوجود طارئا لبضعة أشهر، ولا يحتاج غير تلبية الاحتياجات الاستهلاكية لهؤلاء الناس. بينما الحقيقة التي تؤكدها كل الجهات المعنية، أنه وجود سيمتد لسنوات.
(الغد)