شوكت تفاحة معلم احترم نفسه
د.مهند مبيضين
11-12-2014 01:34 PM
غير مرة حاولت الاتصال به لتحديد موعد للكتابة عن سيرته، لكنه تمنّع، أرسلت له احد طلبتنا في الدراسات العليا ليقابله في موضوع تخصصه ورسالته حول البعثات العلمية، وأيضا تمنّع، هذا المعلم والسيد قطعة من قماشة نادرة، قماشة الاباء والمعلمين الأوائل، فما كان من درب للكتابة عنه إلا البحث وسؤال طلبته عنه.
سجل الولادة يعود للعام 1922 لعائلة ذات نسب شريف من الفرع الحسيني من أهل نابلس، انتقلت فيما بعد للسلط، وفي مدرستها الثانوية تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي، ثم أرسل في بعثة علمية إلى الجامعة الأميركية في القاهرة.
من مدراء مدرسة السلط يوم كان طالباً علي سيدو الكردي ومحمد الجنيدي وجريس هلسا، ومن أساتذة هذا الصرح العتيد الذين زاملوه أو علموه حكمت الساكت وإبراهيم الشافعي واحمد اللوزي وعلي خريس. هؤلاء المعلمون والاباء كان يكفي أن يمر اسمهم في تاريخ الوطن مرة وحدة، ليكتب له البقاء. هؤلاء من زامنوه طلابا أو رفاقا في مهنة التعليم، لم يمروا على معاهد التدريب ولم ينالوا الجوائز، لكنهم كتبوا تاريخ الدولة والوطن وأعدوا أجيالاً من المتعلمين الأردنيين دونما تكلف واصطناع.
علّم شوكت تفاحة الكثير من الطلاب يذكر منهم هاني الخشمان مؤلف كتاب «أسماء في القلب» اسحق الفرحان ومحمد رسول الكيلاني ومحمود الكايد ومحمد العمد وعبد الله النسور وحسن بدران وفهد أبو العثم وغيرهم.
يقول الدكتور عبد اللطيف عربيات حين سالته عن استاذه في وصف أسلوبه ومنهجه: كان الاستاذ شوكت تفاحة أمد الله بعمره منضبطاً إلى حد كبير، وهو في مسافة بين الشدة والحزم ورجل رياضيات من الطراز الرفيع، كان يشغل الحصة كاملة ويحضر لها، ويحب النظام والانضباط، تولى مناصب عدة وهو من عائلة كانت فيها نقابة الأشراف في نابلس في الزمن العثماني..».
ينتمي شوكت تفاحة لأزمنة عدة منها الزمن العثماني والزمن العربي الاستقلالي وزمن الإمارة وزمن المملكة التي خرّج لها انجب الطلبة واكثرهم خدمة في مواقع العمل الحكومي، هذا الرجل واحد من أعلام أم المدارس التي يليق بها ان تحتفي بهكذا معلم شامخ وصلب وعتيق، ولم يقبل السقوط أو أن يرهن نسه للموقع أو المنصب.
أفاد معلمنا وشيخا الرياضي شوكت تفاحة وطنه في مواقع عدة، معلما في مدرسة السلط ومديرا لها، وشغل جميع المراكز التربوية في وزارة التربية من مفتش إلى وكيل وزارة مرورا بمدير دائرة إلى مساعد في عدة مواقع تربوية، ثم عمل مساعدا لعميد الكلية العربية بعمان.
لم يطلب شوكت تفاحة شيئاً من الحكومات بعد أن تقاعد، بل اختار مراقبة الزمن والعيش بهناء في عائلة تعب لأجلها ووطن مرت أوراق كثيرة من ساسته وقادته من تحت أنامله وهو يصحح لهم في الحساب، وهو يدرك متى وكيف يخطئون حساب الدرس وحسابات الوطن، ولكنهم لا يخطئون في حساباتهم حين يكونون من النخبة.
لم يمر على قانون الشركات كي يزيد منه ثروة كما فعل كثيرون ممن تخلوا عن التربية للتجارة، فلم يلج بابها، بل ظل وفياً لمهنة التعليم التي كانت صحبته لها وفية ومخلصة إلى حد رفض الظهور أو الحديث عن الماضي أو الدخول في بهرجة الإعلام. فهذا الرجل المربي الفاضل رفض كل محاولتي للالتقاء به لتدوين سيرته والكتابة عنه.
وهذا المربي لم يحمل أياً من الأوسمة والنياشين التي تهدى بمناسبة أو بدون مناسبة أحياناً، لبعض من مروا مروراً على تاريخ الإدارة أو العمل العام أو من مكنتهم القبيلة أو المحاصصة في هذا البلد.
شوكت تفاحة معلم احترم نفسه، فكسبها وكسب احترام الناس.
"الدستور"
Mohannad974@yahoo.com