الرأي العام العربي وفعّالية الجامعة
د. فارس بريزات
06-04-2008 03:00 AM
لسوء حظ النظام العربي الرسمي ممثلاً بالجامعة العربية ومؤسسة القمة انه لم يُفلح في تقديم حلول ناجعة تجعل من استمراره مطلباً شعبياً. ولم يُجنب أداء الجامعة العربية، بغض النظر عن الجهد المبذول، المنطقة حرب الخليج عام 1990، وحرب احتلال العراق عام 2003، وحل مشكلة الرئاسة في لبنان، ولم تتمكن الجامعة كذلك من إيجاد حل للخلافات الفلسطينية، ولم تتمكن من وقف سفك الدم العراقي، ناهيك عن عدم تمكن النظام العربي من حل مشاكل نقل الناس والبضائع عبر الحدود دون طول انتظار ومعاناة لتحقيق فكرة السوق العربية المشتركة المتفق عليها منذ نحو خمسين عاماً. بالطبع، الجامعة العربية هي ليست اللاعب السياسي الوحيد في تحديد مآل المنطقة ودولها ولكنها عنوان النظام العربي فيها. والدول المكونة للجامعة لها مصالحها التي تتقاطع وتتعارض حتى العداوة.
لذلك ليس من الغريب أن يُقيّم الرأي العام العربي أداء الجامعة العربية بالسلبية. إذ بلغت نسبة الذين قالوا أن الجامعة العربية لم تكن ناجحة على الإطلاق في تعزيز العمل العربي المشترك نحو 63% في لبنان، و46% في فلسطين والكويت، 41% في الجزائر، 36% في المغرب، و 32% في اليمن، 26% في الأردن. ولم تتجاوز نسبة الذين قالوا بأنها كانت ناجحة إلى درجة كبيرة 6% في أي من هذه المجتمعات. وهناك ثمن سياسي تدفعه الجامعة كممثلة للنظام العربي الرسمي. وجزء من هذا الثمن هو تواضع نسب الذين يصفون أنفسهم بأنهم عرب أولاُ مقابل الهوية الدينية-الإسلامية والهوية الوطنية-القطرية. فهل هذا نتيجة لضعف أداء الجامعة أم أن هناك أسبابا أخرى؟
مما يدعو للتفكير هو تقدم الهوية الدينية-الإسلامية على الهوية العربية والقطرية في سبع من أصل تسع دول عربية شملتها استطلاعات مقياس الرأي العام العربي بالمقارنة بدول إسلامية غير عربية تتقدم فيها الهوية القطرية-القومية على الهوية الإسلامية.
عند طرح السؤال التالي على المستجيبين أي من التالية تصفك بشكل أدق؟ فوق كل شيء أنا مسلم، فوق كل شيء أنا عربي، أو فوق كل شيء أنا أردني، لبناني، مغربي ... الخ، تبين أن 78% من المصريين يقولون فوق كل شيء أنا مسلم، مقارنة بنحو 74% من السعوديين، و73% من الأردنيين، 67% من الجزائريين، 63% من المغاربة، 62% من اليمنيين، و68% من الفلسطينيين. برز الاستثناء لهذا التوجه في كل من لبنان والكويت. حيث وصف ما نسبته 80% من اللبنانيين أنهم لبنانيون أولاً. أما في الكويت فوصف 48% من المستجيبين بأنهم كويتيون أولاً، بينما قال 43% فوق كل شيء أنا مسلم.
في الوقت الذي احتلت فيه الهوية القومية-الوطنية مكانا أكثر تقدماً من الهوية الإسلامية في كل من باكستان (78% للهوية القومية مقابل 19 للإسلامية) وبنغلاديش (55% مقابل 24%) واندونيسيا (52% مقابل 42%)، لم تحظ الهوية العربية بنسبة أكبر من 10% في أي من الدول العربية المذكورة هنا. لكن ظهرت الهوية القطرية-الوطنية بأنها أكثر أهمية إذا اختارها 26% من الفلسطينيين، 27% من اليمنيين، 34% من المغاربة، و19% من الجزائريين، و25% من الأردنيين، 12% من السعوديين، و9% من المصريين.
تمتاز الهوية الدينية-الإسلامية بأنها هوية جامعة ويمكن فهم اعتداد الكثير من العرب بها. ولكن كيف يمكن تفسير تفوق الهوية القطرية-الوطنية على الهوية العربية؟ هنا يمكن الإشارة إلى أن الدولة القطرية هي أكثر فاعلية من الجامعة العربية ومؤسساتها، كما أن التجارب العربية المعاصرة (البعثية والناصرية) لم تحقق الكثير (بغض النظر عن الأسباب والتفاصيل)، ويضاف لذلك الانطباع السلبي عن مؤسسة القمة العربية التي لم تحقق الكثير مقارنة بحجم التحديات التي تواجهها الدول العربية منفردة ومجتمعة. بالمقارنة، تُعقد القمم الأوروبية كل ستة أشهر دون انقطاع- وإن شابها بعض المهاترات- إلا أنها حققت نتائج إيجابية جداً للأوروبيين وتعززت الهوية الأوروبية على أسس اقتصادية متينة.
عن الراي.