احصى كاتب عربي عدد مقالات الرأي في بلد عربي واحد وعلى نحو تقريبي فبلغت ثلاثة الآف مقال في الاسبوع وتساءل بشيء من السخرية: هل لدينا ثلاثة الاف وجهة نظر سياسية في الاسبوع الواحد ؟
هذا السؤال يفتح ملفا تراكم عليه الغبار؛ لأن طرحه قد يكون محرجا لمن يتصورون ان الكتابة هي مجرد ملء فراغات اشبه بالتوابيت، فالمقالة كما يعرفها العديد من الكتّاب والمتخصصين في الأنواع الأدبية، لا بد ان تتوافر على عنصر واحد على الأقل من ثلاثة عناصر هي أقانيمها، فإما ان تقدم معلومات تضيف الى القارىء، او تتوصل الى استنتاجات بعد معاينة قرائن وحيثيات تطفو على سطح الواقع، او ان تكون ذات اسلوب وايقاع يجتذب القارىء ويتسلل برفق الى وجدانه .
بالطبع يصعب على مقالة واحدة ان تشمل العناصر الثلاثة، لكن تلك الاحصائية التقريبية التي قدّمها احد الكتّاب هذا الاسبوع تدفعنا الى تأمل الظاهرة جذريا، فالالتباس بلغ ذروته بين الكتابة كمجرد تعليق على حدث بحيث لا تعيش اكثر من يوم واحد وبين الكتابة كتحليق يرى الواقع من مختلف زواياه وعلى نحو بانورامي، خصوصا في هذا العصر الذي اصبحت فيه المعارف والعلوم متداخلة وليست مجرد جيران . فالسياسة لها علم نفسها واجتماعها واقتصادها واعلامها والكتابة فيها تشمل كل ما له صلة بها، كما ان التاريخ لم يعد ركاما من الحكايات، بل اصبح له فلاسفته الذين يقرأون ما بين السطور وكأن ابن خلدون رائدهم عندما قرر عدم التسليم بكل ما يرد في كتب التاريخ وطالب بالمقارنة بين مختلف الروايات حول حدث واحد وبالتالي ترجيح واحدة منها اعتمادا على القرائن .
وتذكّرنا احصائية الكاتب عن عدد المقالات خلال اسبوع واحد في بلد واحد بما قاله احدهم ذات يوم عن عدد اعضاء اتحادات الكتّاب في العالم العربي، فقد بلغ في سنة ما ضعف عدد الكتّاب في الهند والصين معا، ونذكر للمثال فقط ان هناك اتحادا اضاف الى عدد اعضائه المئات من المدرسين لاسباب نقابية وانتخابية .
ولو كان لدينا كعرب وجهات نظر حول التاريخ والواقع وما يعج به من اشكاليات بهذا العدد لكان الكلام عن الديموقراطية وغيابها عبثا واضاعة للوقت.
لكن الله يحب ان يرى اثر نعمته على عبده ! فالمتكرر والمنقول على طريقة «وقع الحافر على الحافر» اضعاف مضاعفة للأصيل والجدّي، فمن يزهو بامتلاك آلاف الدونمات في الصحراء ينسى انها لا تعادل حقلا !
(الدستور)