اليمن السعيد .. ليس سعيدا بالوحدة
مالك نصراوين
06-04-2008 03:00 AM
الاحداث المؤسفة التي يشهدها جنوب اليمن منذ أشهر ، وزيادة وتيرتها هذه الايام ، من خلال المظاهرات العارمة ، التي قامت اولا لتحقيق مطالب شعبية عالقة منذ سنين طويلة ، ثم توسعت كرد فعل على العنف الذي عولجت به المسيرات ، من اطلاق نار واعتقالات وحملات عسكرية ، يؤشر اول ما يؤشر ، الى خلل في الوحدة التي تمت بين القطرين ، سلميا وبالاختيار الحر اولا ، وذلك في عام 1990 ، ثم بالقوة والسلاح عام 1994 بعد ان دب الخلاف بين قادة الشمال والجنوب .
لقد فرح العرب القوميون ، الذين اعتبروا الوحدة انبل هدف تسعى لتحقيقه الجماهير العربية ، وفي مختلف اقطار العروبة ، فرحوا للوحدة اليمنية عام 1990 ، والتي كانت خيارا للقيادتين ، في الجمهورية العربية اليمنية التي كانت تشكل الشطر الشمالي من اليمن ، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الشطر الجنوبي ، وبدت هذه الوحدة تتويجا للواقعية والعقلانية السياسية ، خاصة بعد الزلزال السياسي الذي هز العالم عام 1989 ، نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية .
فرح العرب للطريقة التي تمت بها الوحدة اليمنية ، عبر طريق الديمقراطية والاختيار الحر ، بدل من الانقلابات التدميرية الاقصائية اللاديمقراطية ، خاصة ان مثل هذا النوع من الوحدة ، هو اكثرها ثباتا ونجاحا واستمرارا ، فها هي دولة الامارات العربية المتحدة ، ومنذ اكثر من 35 عاما ، الانموذج في تحقيق الوحدة ، فجاءت الوحدة اليمنية الاولى عام 1990 ، لتسير على نفس النهج ، ولتؤكد ايضا ان الوحدة ليست تقدمية وليست رجعية ، بل ان اساسها هو الاختيار الشعبي ، وسلوك الطريق الديمقراطي .
لكن هذه الوحدة لم تستمر ، الا اربعة اعوام ، ليدب الخلاف بين قادة الشمال والجنوب ، فيستخدم الطرف الشمالى الاقوى عسكريا ، القوة العسكرية لفرض الوحدة ، فتندلع المعارك ويسقط الضحايا على مذبح الوحدة ، ويتم اخضاع الجنوب بالقوة المسلحة ، فتتحول الوحدة الى شرخ في الجسد اليمني ، ما زال الى اليوم يعاني من آثاره .
الجماهير التي تظاهرت في عدن وأبين ولحج والضالع وردفان ، ليست عدوة للوحدة بالتاكيد ، فهي كما اوردت الانباء ، لها مطالب معاشية ، تتمثل في اعادة العاملين الى وظائفهم التي طردوا منها بعد معارك الوحدة عام 1994 ، فهم يتقاضون الآن رواتب تقاعدية زهيدة ، لا تكفي لحاجاتهم الاساسية البسيطة ، وهذه مطالب محقة وطبيعية ، لكن غير الطبيعي ان تبقى هذه المطالب قائمة بدون تجاوب ، منذ اربعة عشر عاما ، وبالتاكيد فان العديد من هولاء المقالين من عملهم ، قد وصلوا سن التقاعد ، وهم ما زالوا يطالبون بالعودة لوظائفهم ، كما ان لاهل جنوب اليمن شكاوي اخرى من الهيمنة الشمالية على مقدرات الجنوب .
من الملاحظ ان الشطر الشمالي هو ذو الموقع الاقوى ، فاخوتهم في الجنوب ، الذين استقلوا عن الاستعمار البريطاني حديثا ، في عام 1967 وبعد نضال مرير وتضحيات جسيمة ، والذين خذلوا ايضا في مسارهم العقائدي والسياسي الذي انتهجوه ، فخيرة قادتهم ، عبد الفتاح اسماعيل ، سالم ربيع علي ، علي ناصر محمد وسالم علي البيض وغيرهم ، اما رحلوا اغتيالا او هجروا قسرا ، وقد قست عليه الظروف الاقتصادية ايضا ، فكان الاولى بالاخوة في شمال اليمن ، ان يتعاملوا مع اخوتهم في الجنوب ، تعامل الاخ الاكبر مع اخيه الاصغر ، لا تعامل المنتصر مع المهزوم ، وكان الاولى معالجة جراح الوحدة القسرية والمساعدة على اندمالها .
تعودنا نحن العرب دائما ، ان نستعين بنظرية المؤامرة ، لتبرير كل ازماتنا ، وبخاصة الازمات الداخلية ، فنوجه اصابع الاتهام الى الامبريالية والصهيونية والرجعية ، ونلغي دور ارادتنا نهائيا في خلق الازمات وفي حلها ، قد يكون هناك فعلا اطراف خارجية تعبث بوحدة اليمن ، وتسعى الى اعادة تمزيقه ، لكن هذه القوى لن يكون باستطاعتها تحقيق أي انجاز في هذا المجال ، ان لم تجد بذورا صالحة لتخريب الوحدة ، فليسعى اليمن الشقيق لتفويت الفرصة على اعداء الوحدة ان وجدوا ، من خلال تدعيم الوحدة الوطنية ، وتحقيق العدالة ، ودمل جراح الماضي ، حتى تصبح الوحدة بردا وسلاما على اليمنيين ، لا عامل قهر واذلال .
m_nasrawin@yahoo.com