السيارات الحكومية .. هيبةٌ
نايف المحيسن
09-12-2014 02:43 AM
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان الوزير يقود وزارته بلا سيارة، أمَّا الآن فالسيارات الحكومية -وليست سيارات الوزراء فحسب- تختال في شوارع عمان وتتباهى «عفوا». ومن صرفت له وهو لا يستحقها، سيستخدمها دون وجه حق، فمن يأخذ مال الدولة دون وجه حق و سيارته مال عام يسهل عليه الوطن حد الهوان.
نعم من يتصرف بالمال العام كأنه خاص هو إنسان يسهل عليه أن يحوِّل العام خاصا ، فالسيارة الحكومية وجدت للأغراض الحكومية ولا يمكن أن تكون الحكومة محل خضار أو ملحمة أو حتى مطعم فول وفلافل..والله لو كنت مسؤولا ولدي سيارة حكومية لخجلت من نفسي أن آتي بها لأجل شراء الفلافل!!
أعتقد أن الذي قرر صرف السيارات الحكومية للموظفين بمختلف الدرجات لم يكن يعتقد يوما من الأيام أنها ستقف أمام ملحمة أو «خُضرجي» أو سوبر ماركت، لأن الحكومة لها هيبتها ويجب أن يكون كل ما لدى الحكومة مهيبا وإلا كيف نطالب المواطن بما عليه، ونحن نخسر أمامه هيبة هو تمناها لنا وهو من يطلبها لنكون الانموذج .
أليست الحكومة هي الانموذج الذي يجب أن تكون حالها عليه لمواطنها، فالمواطن لا يمكن أن يقبل من موظفي الحكومة أي انتهاك لأخلاقيات الوظيفة والتعدي على المال العام هو تعدٍّ لا أخلاقي ويجب أن يجرِّمه القانون ، فعندما يحترم الموظف المال العام فإن المواطن سيعرف أن ما يقدِّمه من ضرائب هي في الحفظ والصون وانها بالتأكيد تذهب للصالح العام .
سيارات الحكومة لا مبرر أن تتم مشاهدتها في الشوارع والحكومة لا تعمل»أي بعد الدوام»، فهناك دوائر لها أسطول من السيارات، والأمانة أقرب مثال على ذلك وغيرها من الدوائر والوزارات كلها، الوزير ثم الأمين ونائب الأمين ومستشار الوزير والخبير والمدير ومساعد المدير ومدير المديرية، وما أكثر المديريات بعضها يعمل وبعضها لا يعمل حتى أن سكرتيرا أو مدير مكتب الوزير له سيارة، وأزيدكم من الشعر بيتا أن سائق الوزير له سيارة مثله مثل الوزير فهو مهم جدا ويكتسب أهميته من أهمية الوزير.
آلاف السيارات الحكومية تجوب الشوارع صباحا ومساء وليلا ونهارا، ولكن لعمل خاص، ونحن بقدر ما نحب الخاص والخصوصية نفعل فعلنا بجعل العام خاصا وهو أسوا أنواع الحرام والفساد.
لدينا رقابة وديوان المحاسبة يرصد باستمرار ولديه آلاف المخالفات مرصودة في كتابه العملاق ،والأكثر من ذلك أنه أصبح هناك مواطن رقيب يرصد ويصور وينشر على شبكات التواصل الاجتماعي ولكنهم لا يسألون ولا يهتمون لأنهم يعرفون أن الرقابة لا تطالهم حتى لو تم تصويرهم.
عزيري تقرير الديوان وعزيزي الرقيب على المال العام، التعدي على المال العام هو تعدٍّ عليك فإما أن تترك مهامك وإما أن تفعِّل مهامك، وليس أمامك من خيار فالتعدي هو تعدٍّ على الهيبة، وهيبتك من هيبة الحكومة، وهيبة الحكومة هي هيبتنا، ونهاب الحكومة إذا فعَّلت هيبتها في أبنائها، فالحكومة كما الأب إذا فقد هيبته من قبل أبنائه سيفقدها أمام كل من حوله.
(الدستور)