بغض الطرف عن الموقف من تنظيم "الدولة الإسلامية" وسلوكه الدموي وأفكاره العدمية؛ فإنّ اعتقال زوجة زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، مع ابنته (على فرض صحّة ذلك)، وهذا التهليل الإعلامي الهائل والتطبيل والتزمير لـ"الإنجاز العسكري" الكبير، هو أمر غير مفهوم ولا مبرّر، أخلاقياً وسياسياً، ولا حتى قانونياً، في حال أنّ الاعتقال فقط بوصفها زوجة البغدادي!
الجيش اللبناني اعتقل المرأة مع طفلها على الحدود، وهي نفسها – وفق الرواية اللبنانية غير المؤكدة- التي تمّ الإفراج عنها في صفقة جبهة النصرة مع راهبات معلولة قبل شهور، فلم تذهب إلى المناطق التي يسيطر عليها التنظيم خلال هذه المدة الطويلة، فإمّا أنّها ليست زوجته، كما تؤكد الرواية العراقية، أو أنّها ليست مهمة على الإطلاق ولا تملك معلومات أو تنقل رسائل، وهي الذريعة الهشّة التي استدرك عبرها بعض المسؤولين لإيجاد مبرّر أخلاقي أو قانوني لهذا الاعتقال.
في نهاية اليوم ما يريده الجيش اللبناني من اعتقالها، ثم اعتقال زوجة شخص آخر من جبهة النصرة، يدعى أبو علي الشيشاني، هو استخدامهما كـ"ورقة رابحة" في الضغط على النصرة للقيام بعملية تبديل الجنود اللبنانيين المحتجزين لديها، وهو سلوك يتجاوز منطق الدول فتتصرف الدولة بالمنطق نفسه الذي يحكم سلوك هذه التنظيمات!
في الحقيقة لا تكمن خطورة اعتقال النساء والأطفال فقط عند اهتزاز المنطق الأخلاقي والإنساني والقانوني، فهنالك ما هو أدهى وأمرّ ويتمثّل بأنّ ذلك قد يفتح أبواب جهنّم على لبنان والمنطقة، ويدفعنا نحو مرحلة جديدة من العنف الشبيه، عبر محاولة استهداف زوجات وأطفال الشيعة في لبنان أو قيادات حزب الله أو حتى الجيش اللبناني، ما يفتح الباب، بالفعل، نحو جهنّم حقيقية، ليس فقط في لبنان، بل في المناطق الأخرى التي ينتشر فيها العنف وتسود فيها الفوضى، وما أكثرها في العالم العربي اليوم!
لم يستمر هذا التحليل طويلاً، إذ سرعان ما أصبح أمراً واقعاً، بعدما ظهر المدعو أبو علي الشيشاني ليوجّه تهديداً واضحاً علنياً (ردّا على اعتقال زوجته) قائلاً " إن نساء وأطفال الشيعة وعائلات الجنود اللبنانيين أصبحوا الآن أهدافا مشروعة". مؤكدا أنه "إذا لم يفرج عن زوجته قريبا فلا تحلموا أن يخرج العساكر من غير مفاوضات".
إذا انتقلت الاغتيالات والاعتقالات المتبادلة والحرب الراهنة لتطاول بصورة مباشرة النساء والأطفال، فهذه وصفة خراب في المنطقة، لأنّ تجربتنا مع المرحلة السابقة علّمتنا أنّ أي عمل صغير يتحوّل، لاحقاً، إلى "نموذج" يتم تعميمه على المنطقة بأسرها، فإذا بدأت دوّامة الانتقام والاستهداف للنساء والأطفال، فلن تقف عند حدود سورية أو لبنان أو العراق، بل سنجد صداها غداً في اليمن وليبيا ومصر!
ففي مصر، تم استهداف النساء والأبناء بصورة مباشرة ومؤسفة خلال الفترة الماضية، عبر حملات الاعتقال والاغتيال (كما حدث مع ذوي قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مجزرة رابعة)، أو حتى في اعتقال الطالبات مع التقارير الدولية التي تشير إلى وجود انتهاكات رهيبة في داخل السجون المصرية، وتؤشّر بعض الأرقام إلى أرقام خطيرة، تصل إلى 2000 امرأة رهن الاعتقال، مع وجود عدد كبير من الأحداث، بعضهم تمّ الحكم عليه بالإعدام!
مثل هذه المناخات القاتلة والرهيبة، إذا ما التقطت ما يحدث في المنطقة، وإذا نجحت داعش أو النصرة، لا قدر الله، من تنفيذ التهديد المعلن باستهداف النساء والأطفال، فإنّ ذلك يعني أنّنا فتحنا الباب في المنطقة بأسرها لسيناريو مرعب وخطير!
(الغد)