الخلاص بالعودة إلى «القـومية» !
صالح القلاب
07-12-2014 02:20 AM
لا مخرج لنا ،كعرب، من هذا المستنقع الطائفي الذي غرقنا فيه ولا زلنا إلاَّ بالعودة إلى منطلقاتنا القومية النقية قبل أن تنتج وللأسف أحزاباً وتنظيمات متأثرة بـ»النازية» الألمانية وبـ» الفاشية» الإيطالية وتحولت إلى أحزاب إنقلابية أوصلت أهم الأقطار العربية ،سوريا والعراق تحديداً، ومعهما المنطقة كلها إلى ما وصلت إليه من دمار ليس عمرانيا فقط بل وإنساني وإجتماعي وأيضاً والتي أخلت الساحة لما يسمى الحركة الإسلامية ،وليس الإسلام بالطبع، التي ينطبق عليها ذلك المثل الشعبي القائل:»من أول غزواته كسر عصاته» والتي هي المسؤولة عن بروز كل هذه التنظيمات الإرهابية المدمرة.
كانت «العربية الفتاة» عندما جرى تشكيلها في بدايات القرن الماضي رداً على الدعوة القومية الطورانية المتزمتة التي تجسدت في «تركيا الفتاة» وكانت الثورة العربية الكبرى التي أطلق رصاصتها الأولى الشريف حسين في يونيو (حزيران) عام 1916 ثورة قومية عربية شارك فيها رموز عروبيون من العديد من الأقطار العربية وهنا فإن ما لا يعرفه البعض أنَّ علم حزب البعث هو علم هذه الثورة وأن الذي فرض هذا العلم علماً لهذا الحزب هو أحد الطلائعيين الذين أسسوه في السابع من أبريل (نيسان) عام 1947 أي جلال السيد.
كان بعض المؤسسين يريدون أن يكون هذا الحزب الذي حكم في اثنين من أهم الأقطار العربية ،العراق وسوريا، حزباً إجتماعياً ثقافياً وديموقراطياً وعلى غرار حزب المؤتمر الهندي الذي أسسه المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو ولكن إغراءات السلطة ما لبثت أن إنحرفت به إلى ظاهرة الإنقلابات العسكرية التي بدأت في سوريا مع حسني الزعيم في عام 1949 وبدأت في العراق في ذلك اليوم الأسود في الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1958 وهكذا فقد إنتهت الفكرة من أساسها وتحول حزب البعث العربي الإشتراكي إلى مجرد قاطرة للإنقلابيين الذين تناوبوا على ذبح رفاقهم وزجهم في السجون وذبح شعوبهم وحيث تحول باقي ما تبقى منه إلى تشكيلات طائفية بغيضة.
ولعل ما هو معروف أن حكم حركة القوميين العرب في اليمن الجنوبي قد تحول إلى حكم إنقلابات عسكرية أكلت رفاق «الجبهة القومية» الذين تحولوا إلى ماركسيين بدون ماركسية وما انضم إليهم لاحقاً من البعثيين وكانت النتيجة أنْ هرب علي سالم البيض في عام 1990 بالتجربة كلها إلى علي عبد الله صالح الذي هو المسؤول فعلياً عن تفشي الطائفية في البلاد وعن ظهور الحوثيين الذين يواصلون السعي الآن لإلحاق المذهب الزيدي الذي كان يعتبر مذهباً شافعياً وربما لا يزال بالمرجعية الجعفرية الإثني عشرية في طهران (الشيعية).
إن المقصود من كل هذه المقدمة المبتسرة هو أنَّ تجربة الأحزاب القومية حتى بما في ذلك التجربة الناصرية وتجربة سيء الصيت والسمعة معمر القذافي قد سقطت سقوطاً ذريعاً لكن الفكرة القومية لم تسقط بل ولقد ثبت أنه بدونها وبدون العودة إليها لا يمكن مواجهة كل هذا «التوحُّش» الطائفي المعاكس لحركة التاريخ والذي بات يأخذ منطقتنا العربية وفي أهم أقطارها إلى واقع القرون الوسطى في أوروبا والذي أبعدنا كثيراً عن قضايانا الرئيسية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
لقد أصبحنا الآن على مفترق طرق ولعل ما يدعو إلى الخجل وأكثر منه إننا ابتعدنا كثيراً عن ميادين صراعنا الفعلي والحقيقي وأننا بتنا نغرق في هذا المستنقع الطائفي الآسن وأن تجربة ما يسمى الإسلام السياسي قد فشلت حتى قبل أن تبدأ وهذا يعني وبخاصة بعد فشل كل الأحزاب الإقليمية أو القطرية التي يسميها البعض أحزاباً وتشكيلات «وطنية» أنه لا خلاص إلاَّ بعودة الفكرة القومية الجامعة ولكن بعيداً عن التعصب العنصري المقيت الذي هيمن على تجربة «البعث» وتجربة «حركة القوميين العرب» والتجربة الناصرية..
وتجربة معمر القذافي المشوشة إن أردتم.. إن المطلوب هو حركة ثقافية إجتماعية ديموقراطية على غرار حزب المؤتمر الهندي ترفض الإنقلابات العسكرية وتؤمن بالتعددية وبالتداول على السلطة وتستوعب كل أبناء المجتمع على أساس برامج الحد الأدنى التي تستقطب كل مكونات المجتمعات العربية في كل الدول والأقطار العربية.
(الرأي)