ظلت يدي ملتصقة بقلبي بينما عيناي و أذناي تتابع على فضائية (المنار) و فضائيات أخرى بثا مباشرا لمظاهرة المعارضة اللبنانية ضد الحكومة التي وصفتها بالفاقدة للشرعية و الفاقدة للدستورية و الخارجة على إتفاق الطائف و التوافق اللبناني بين جميع طوائفه و أحزابه و قواها الفكرية و السياسية و إنتماءاتها.
أما لماذا ظلت يدي ملتصقة بقلبي؟ فإن الإجابة عليه يعرفها جميع الأردنيين و جميع العرب و سواهم من الشعوب و الأمم التي تتابع مسيرتنا الديموقراطية و التي توافق مسؤولينا على أننا شعب من المندسين و الغوغائيين يملك رصيدا و قدرات من الإندساس و الغوغائية يستطيع به الأردنيون –وفق اليقين الرسمي- على إفساد أية فرحة و تشتيت أي تجمع حتى لو كان حفل عيد ميلاد أو حفل خطوبة أو حفل زواج أو جاهة صلح أو مسيرة أو مظاهرة أو بيانات أو مقالات. لهذا فإن عودتنا عن قوانين و أنظمة تكتفي بالابلاغ عن مسيرة أو ندوة أو مظاهرة كشرط لإقامتها و هي هنا ممارسة غير ديموقراطية من قبل الناس و إحلال قوانين و أنظمة تؤكد على شرط الحصول على موافقة الحاكم الإداري قبل أية خطوة في الإتجاه لتنظيم مظاهرة أو الخروج في مسيرة أو عقد ندوة و هذا الأمر هنا ممارسة ديموقراطية من قبل مسؤولينا لم تقدم على ممارستها سوى دول نكرة أو ديكتاتورية لا أعرف عددها و إن كنت أعتقد أنها لا تتجاوز العشر دول بما فيه بلدنا الحبيب
لهذا كنت مصلوبا على خوفي و ذعري و خشيتي من أن يندس أردني بين صفوف اللبنانيين و يتمكن بحكم عبقريته في الدس و الغوغائية و التخريب من تحويل مظاهرة المعارضة الى فوضى تصعب محاصرتها فيندفع اللبنانيون بفضل المندس و المخرب و الغوغائي الأردني الى مهاجمة الدوائر الحكومية و بيوت المواطنين و سياراتهم و متاجرهم و إحراق الأشجار التي تزين الشوارع في بيروت و تخرج البنادق من المخابئ و السيوف و الحراب من الأغماد و أطنان المواد المتفجرة و كيلومترات الأحزمة الناسفة و إحراق لبنان كله لا بيروت وحدها.
المندسون و المخربون و الغوغائيون الأردنيون – سواء من يحمل رقما وطنيا أو من انتزع منه – فشلوا حتى كتابة هذه السطور في التسلل الى بيروت و الإندساس بين صفوف المعتصمين لإسقاط حكومة يتسابق الأصدقاء و الأشقاء على منحها تأييدهم رغم أن مثل هذا التأييد لا يبدل شيئا من الحقيقة و لا يمنح حكومة الأكثرية النيابية ما إنتزعه منها المعتصمون الذين توحدوا في ساحة رياض الصلح و ساحة الشهداء مسلمين و مسيحيين و شيعة و سنة و دروزا و أرمن من سيد النصر حسن نصر الله مرورا بطلال أرسلان و سليمان فرنجية ووصولا الى الجنرال عون الذي إلتف حوله غالبية الموارنة و ثانيا أن تأييد الأصدقاء و الأشقاء و حتى الأعداء أعطى للمعتصمين ضد الحكومة ثقة في أهدافهم و صدقية في سعيهم الوطني لإسقاط حكومة الأكثرية النيابية رغم عدم حاجتهم لمثل هذه الثقة و الصدقية و إنتزعت بالمقابل من الحكومة مبررات إصرارها على البقاء تحت زعم الأكثرية النيابية التي هي آخر ما توافق اللبنانيون على أنه جزء من عيشهم المشترك في وطن لهم جميعا و في ظل حكومة يجب أن تكون ممثلة للشعب كله و ليس لنوابه المنتخبين بموجب قانون إنتخاب يعلن مؤيدو الحكومة و معارضوها انه غير منصف و يجب أن يتم تعديله مع الإشارة هنا أن هذه الأكثرية النيابية كانت قد حملتها الى البرلمان القوى السياسية التي تحالفت معها ثم أدارت ظهرها للتحالف لتعقد رهاناتها على الأصدقاء و الأشقاء و حتى الأعداء الذين لن يكون في وسعهم حماية الحكومة فاضطرت رموزها الى البقاء داخل قصورها كما اضطر وزراؤها الى اللجوء للسراي الحكومي يأكلون فيه و يشربون فيه و ينامون فيه كمنطقة خضراء لبنانية لا تختلف عن المنطقة الخضراء العراقية !! بل ان الحكومة اللبنانية باتت أشبه ما تكون بالحكومة الصومالية - 64 وزيرا – تواجه هي الاخرى سقوط مدينتها الصومالية الوحيدة (بيدوا) الأمر الذي دفع واشنطن الى البحث عن وسيلة لحمايتها بعد أن إكتسحت قوات المحاكم الإسلامية غالبية مساحة الصومال فكان السعي الى إصدار قرار من مجلس الأمن لتشكيل قوة إقليمية يذهب جنودها للقتل و القتال و الموت دفاعا عن نفوذ أمريكي و فرنسي آخذ في الإنتهاء.
مليون مواطن لبناني جاءوا من كل مدن لبنان و بلداته و قراه ليشاركوا في مسيرة دعت إليها الأغلبية الشعبية في مواجهة الأغلبية النيابية لم تمنع الحكومة مواطنا لبنانيا من الوصول الى بيروت و لم تجلس الحكومة عند جسر القطرانة لمنع السيارات و الحافلات التي تحمل جنوبيين أردنيين من الوصول الى عمان و المشاركة في مسيرة سلمية. و اللبنانيون – حكومة و معارضة – يتعاملون مع الديموقراطية بإعتبارها حقا مقدسا للمواطن لهذا لم يصفع لبناني لبنانيا بقبضة يده و لا حمل مواطن لبناني حجرا ليكسر زجاج سيارة أو زجاج محل تجاري و لم يتم إطلاق هتافات بذيئة أو إقليمية و لم يتم رفع علم سوى علم لبنان و ظل المتظاهرون يتدفقون تحت حبات الأرز و يتبادلون التحية و المحبة مع إخوانهم من ضباط و أفراد الجيش و الأمن و تم تخصيص عشرين ألف عنصر من كل القوى المشاركة في المظاهرة للإشراف على الترتيبات و تقديم الإرشادات و الخمات من كأس الماء الى حبة الدواء الى وجبة الفطور أو الغذاء أو العشاء.
واشنطن و باريس و لندن و تل أبيب هي أكثر عواصم العالم حرصا على بقاء الحكومة اللبنانية أبدت من الخوف عليها ما يشيرالى مخاوفها من أن تتكرر تجربة إسقاط الحكومات في الشوارع العربية و الإسلامية و رأت أن المظاهرة عملية إنقلابية على حكومة منتخبة في حين إنقلاب السلطة الفلسطينية على الحكومة الفلسطينية ليس إنقلابا على حكومة منتخبة و إنما جزء من الحرب على الإرهاب بإعتبار أن كل فلسطيني يخرج لمقاتلة العدو الصهيوني و للدفاع عن نفسه و أطفاله و بقية ممتلكاته و حقوقه المشروعة هو إرهابي يجب أن يحاصر في طعامه و دوائه و طمأنينته و أشجاره و سقوف بيوته و مدارسه و عياداته و مستشفياته الى أن يعلن كما أعلنت السلطة الفلسطينية الإعتراف بالكيان الصهيوني و التنازل عن حق العودة و القبول بما تمن عليه المؤسسة الصهيونية من حقوق و سيادة و من المؤكد أنها ستكون سيادة كاملة و آخر أدلتها أن كوندليزا رايس لم تلتق الرئيس الفلسطيني في عاصمته رام الله و لا في عاصمة حماس غزة بل فضلت أن يكون اللقاء في أريحا، هل تتذكرون أريحا أولا ثم أريحا أولا و أخيرا؟
الديموقراطية اللبنانية كالتفاح اللبناني رائحة عطرة و لون مفرح و طعم لذيذ و ممارسة نحسدهم – إخواننا اللبنانيين- على ممارستها لهم دون أن تمنعهم حكومتهم من التظاهر خشية تسلل المندسين و الغوغائيين و المخربين و الإرهابيين يهددون الوحدة الوطنية و السلام الإجتماعي و المسيرة الديموقراطية التي نحرص جميعا عليهم مسؤولين و مواطنين و للصدق نحرص عليها مسؤولين فقط لأن الأردنيين ملايين من المندسين و المخربين الذين يجب ألا يخرجوا في مسيرة أو مظاهرة و ألا يعقدوا ندوة.
و بعد فأن تعامل أي مسؤول مع شعبه على أنه قاصر و جاهل و غوغائي و مخرب أمر خطير جدا، كما أن تعامل أي مسؤول مع مواطنيه على أنهم لا يستحقون الثقة فيهم أو الرهان عليهم هو مسألة أكثر خطورة و علينا أن ندرك قبل فوات الاوان أن الشعب الذي لا يثق فيه مسؤولوه هو شعب لا يمنح مسؤوليه أي ثقة و بسبب هذا ينقطع الحوار و يحل التربص محل الثقة و هو ما ينذر بتدمير الوطن على رؤوس مواطنيه و مسؤوليه.
تظل نقطة اخيرة و هي أن الحكومات التي تمنع مواطنيها من التعبير عن مواقفهم بالكلمة أو بالندوة أو بالمسيرة أو بالمظاهرة لا يمكن لها أن تزعم أن المواطنين الذين يخرجون في مظاهرات تأييد لهذه الحكومات تخرج بعفوية و بقرار ذاتي و بتأييد صادق و ليس وفق ترتيبات يترك للحكام الإداريين و سواهم من المسؤولين إتخاذها و دفع الناس الى التظاهر تأييدا للحكومة (غصبن عن اللي خلفهم) و الله من وراء القصد.
Kmahadin@hotmail.com