حلم الازدهار الاقتصادي والرفاه
جميل النمري
05-12-2014 03:18 AM
رئيس دولة أورغواي خوزيه موخيكا، خفض راتبه من 11 ألف دولار إلى ألف ومائتي دولار. وبقي يستخدم سيارته الـ"فوكس" القديمة، ويسكن في شقة مع زوجته في حي عادي في العاصمة مونتيفيديو. وهو يغادر الآن منصبه بعد دورتين رئاسيتين، تاركا المنصب للرئيس المنتخب الذي ينتمي لنفس حزبه اليساري الذي يحكم البلاد منذ 14 سنة، وقضى على الفساد وحقق ازدهارا اقتصاديا.
أطلقت الصحافة على موخيكا لقب أفقر رئيس في العالم. ولعله نموذج وحيد وفريد من نوعه، ولا نتوقع أن يقلده أحد. لكن لنقل إنه نموذج ملهم من أجل شيء من التضحية؛ مثل أن نقبل بتخفيض ملموس على جميع الرواتب العالية في الدولة والمؤسسات الكبرى في القطاع العام، وإجراء اقتطاعات كبيرة على الرواتب العالية في القطاع الخاص. وهناك بعض رؤوساء مجالس إدارات شركات بمساهمة رئيسة من الدولة أو الضمان الاجتماعي، لا يزيد عملهم عن حضور بضع اجتماعات في العام، يتقاضون آلاف الدنانير شهريا.
في الأردن، لا أحد يقبل أي تخفيض على دخله مهما كان عاليا، حتى لو حصلت مجاعة في البلاد؛ فهو حق مكتسب. وقد أوصل رؤساء مجالس إدارات شركات وبنوك رواتبهم التقاعدية إلى أرقام فلكية، تصل إلى 15 ألف دينار شهريا.
وحين تم تعديل قانون الضمان الاجتماعي ليصبح سقف الراتب التقاعدي 5 آلاف دينار، بقي هؤلاء يتقاضون تقاعداتهم هذه كحق مكتسب، مع ان الجميع يعرف أنه ليس عادلا وليس أخلاقيا أن يتقاضى أحد هذه الأرقام الفلكية.
وفي عز الضائقة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة للأغلبية، واضطرار الدولة إلى تقليص الدعم وزيادة الأسعار، استمرت الفئات الشعبية تدفع الثمن من دون اتخاذ أي إجراء لفرض مساهمة أكبر من أصحاب الدخول العالية، وتحميل الأثرياء جزءا من المسؤولية. وطوال فترة التصحيح الاقتصادي، كان الأثرياء يزدادون ثراء، والفقراء يزدادون فقرا، والبطالة تفتك بفئة الشباب.
وفي ظل هذه الظروف نفسها، فشل النواب والأعيان والوزراء في إقرار قانون للتقاعد المدني يبعث إلى الشارع برسالة تضامن واستعداد للتضحية، بل على العكس؛ فالقانون أراد مساواة النواب بالوزراء في الارتفاع، بدل تخفيض الاثنين معا. ولم يتم تخفيض أي من الامتيازات لكبار المسؤولين. وقد يكون تم إيقاف الفساد على حد ما كما يقول رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، لكن ذلك لن يكون كافيا الآن. وعلى كل حال، فإن الفساد على مستوى أدنى يبقى موجودا، وأصبح جزءا من السلوك العام.
هناك تشوهات عميقة في الدولة والمجتمع؛ فالإنفاق الذي نراه في كل مجال لا يتناسب مع حجم اقتصادنا ومحدودية مواردنا. ولم تتوفر في أي وقت الإرادة لاتخاذ إجراءات استثنائية تناسب الظروف الاستثنائية.
وأشرنا في غير مناسبة إلى أمثلة، منها فرض ضريبة خاصّة على الثروة العامة لأي شخص طبيعي أو معنوي، وليس على الأرباح السنوية فقط. إن ارتفاع أسعار الأرض يمكن أن يضاعف ثروة فرد عدة مرات، لكن لا يترتب على ذلك مساهمة ذلك الفرد بفلس واحد من ثروته المكتسبة. والحجة الجاهزة دوما أننا لا نريد تنفير الاستثمار.
والآن، نناقش قانون الضريبة في مجلس النواب، ولن يكون هناك تغيير جوهري في القانون يرفع حصة ضريبة الدخل إلى مستوى معقول؛ فضريبة الدخل عندنا تعادل أقل من ثلث ضريبة الدخل في المتوسط العالمي، مع أن التصحيح هو التحصيل أكثر من الأغنياء للخزينة العامة. وهذه وغيرها هي العوامل الثانوية، أما العامل الرئيس فهو إنتاجية المجتمع. ونسبة العاملين عندنا إلى مجموع السكان من أدنى النسب، وبطالة الشباب تصل
30 %. ومنذ سنوات ونحن نناشد بإعادة خدمة العلم لتكون عسكرية جزئيا، ثم مدنية، لكن لا حياة لمن تنادي.
(الغد)