لا أدري أين أصبح مصيرها في زحمة القنوات الفضائية ،وهل ما زالت تبث أم توقف إرسالها؟ اعتقد كانت القناة اللبنانية الوحيدة قبل ان يصبح لكل فصيل ولكل طائفة ولكل حارة قناة وصحيفة وجيش ، على اية حال ما زلت أحبها بغبشها وتشويشها كما يحب صبي الحي بينت الجيران بـ»نمشها»!...
شخصياً كنت أتابع المصارعة الحرّة التي تبثها قناة الشرق الأوسط كل سبت..ليس حبّاً في المصارعة ولا رغبة في تعلّم حركات جديدة في مسك الرأس أو لي الذراع...وإنما «مكافاة شر» لأبناء صفي الذي يرغبون بتطبيق كل بطولات كيري على جسدي النحيل ، ومجاراتهم في وقت «السّّلم الأهلي» بالحديث : «شفت مبارح كيف خبطه»..»شفت يوم طرقه بكوعه ع راسه» وبالتالي إلهائهم عن تقليد المصارعين من طرق راسي بالدرج بين الحصتين... ومن هذا الحرص على سلامتي، كنت أتكبّد وعثاء الصعود الى ظهر الحيط والــ»شركلة» بـ»قفة متشفية»..أو وقوع رجلي بـ»تنكة سمنة فاضية» أكمل فيها طريقي الى شبكة التلفزيون وهي تطق على السطح مثل رجل «سيلفر» في جزيرة الكنز..ناهيك عن «تحزيز» رقبتي من حبال الغسيل الممددة وغير الظاهرة بسبب العتمة المطبقة على المكان..هناك أبدأ بلفّ الشبكة وصدأ الماسورة يحنّي يدي باللون الأحمر..»هيك اجت»؟...فيقول أحدهم : لأ...هيك..؟؟ لأ...طيب هيك...لشمال ومغرب...فألف الشبكة للجهة الشمالية الغربية..فيأتيك صوت ضعيف يقول : «أشوى»..أصلا أنا لا أسعى في تلك اللحظة إلا للحصول على كلمة «أشوى» حتى أتمكن من النزول عن سطح البيت والتخلص من «علبة السمنة» العالقة وبرودة الطقس التي تقص رأس المسمار...
صحيح أن غباش القناة لا يكاد يريك ملامح المتصارع ، وصحيح ان «النمشة» بحجم «الشلن» على شاشة الأبيض والأسود لكن كنا نتمتع بعروض الشباب ..»كيري» و»كيفن» و»كابوكي»...حجم التمثيل عالٍ، والتواطؤ واضح..فإذا ما سقط أحدهم يبقى في وضعية السقوط حتى «يردس» الآخر فوقه..واذا ما مسك «كيري» رأس منفاسه وبدأ يطرق رأسه بزاوية الحلبة يظل الخصم يمسك بالحبال مستسلماً للضرب دون ان يقاوم...المصوّر في هذا البرنامج كان محترفاً..يعطي «قفا» المتصارع للمشاهد فبالتالي لا تعرف ان تم ضرب رأس الرجل بالزاوية فعلاً ام بالكاد ملامستها فقط...بعضهم كان «يا دوب» يلامس جسده جسد الآخر ليصيح الثاني «آآآآآآآآآآآآآآخ» بالانجليزي ويتألم...ولا يحق له الاستنجاد بزميله الواقف خلف الحلبة «وقاعد يتحلّف» للدخول الا إذا لامس يده ...واعتقد أن عشاق المصارعة الحرة يعرفون هذه اللقطة جيدا..عندما كان يزحف المتصارع «المدهوش من الكتل»..حتى يمد يده من تحت الحبال فيلمسها زميله الذي في الاحتياط..فما ان يلمسها حتى يدخل و»يهري وبر»الخصم...صحيح انه عندما كبرنا أدركنا أن ما يقومون به مجرّد تمثيل ليس الا ...لكنه ما زال في ذاكرتنا تمثيلا حلوا...
وعليه ، صحيح أن ما جرى أول أمس وما قبله وما قبله من مصارعة حرة «ع اللابس وبدون حلبة»...في مجلس النواب تمثيل ، لكنه «تمثيل بشع» و»بقعة قطران» ستبقى في ذاكرة الوطن والتاريخ والديمقراطية والإنسانية والرقي والزمالة ومفهوم الاختلاف في الرأي حتى ولد الولد!..
من زمان «غسّلنا ادينا منهم» ورشينا كالونيا!.
غطيني يا كرمة العلي وثقّلي الغطا...
(الرأي)