انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الانسان
سليمان الطعاني
03-12-2014 03:22 AM
عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان وسلام، بنوا سور الصين العظيم .. واعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن ..! خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات ! وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ..! بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب. ...
الشاهد في هذا الموضوع أن الصينيين انشغلوا ببناء السور سنوات طوال، ونسوا بناء الانسان ...... ضناً منهم أن هذا السور قادر بذاته على صد الغزوات القادمة من الخارج، وغفلوا عن تعليم وبناء الانسان الذي يقوم بحراسة هذا السور العظيم، على أسس من الولاء والانتماء والاخلاص للوطن.
ألمانيا خرجَت من الحرب العالمية الثانية محطمة تمامًا، ومع ذلك لم تمضِ أعوام طويلة حتى عادت إلى صدارة الدول في كل المجالات، وصارت إحدى أكبر الدول المتحضرة، وأبهرت العالم بأسره،
اليابان بعد الحرب، وبعد القُنبلتين النوويتين، كانت أرضها حطاما، وباطنها ليس فيه إلا البراكين والزلازل، فليس هناك مصادر ومقومات لبناء شيء، وكان مِن المفترض بهذا الوضع أن تبقى اليابان خارج حسابات التاريخ لمدة قرن على الأقل، ومع ذلك لم تمضِ إلا أعوام قلائل حتى وجدنا اليابان في صدارة الدول.
أوروبا كلها كيف قامت لصدارة الدنيا بأسرها وبناء أعظم الحضارات في العصر الحديث، وقد خرجت من الحرب العالمية الثانية شبه مدمَّرة؟ فقد خسرت في الحرب (خمسين مليون) إنسان، وتحطّمت بعض دولها بأكملها، وصارت بعضها أثرًا بعد عين، ومع ذلك قامت تلك الدول، وصرنا عندما ننسب شيئًا إلى التقدم والتحضر نقول: هذا أوروبي!
نهض هؤلاء لأنهم عرفوا من أين يبدأون، بدأوا من الانسان فاستثمروا به، جلس المعلمون في اليابان يعلمون تلاميذهم فوق الحطام، اتخذوا من التعليم عندهم وسيلة للبناء، بناء الانسان، وبالتالي بناء المجتمع، وليس وسيلة لتحصيل الشهادات .
وفروا للانسان كل شيء ليُبدع، ويظهِر قدراته، وأول ما وفروه له هو حريته وأن يأمن على نفسه، حيث لا يستطيع الإنسان أن ينجز شيئا إلا إذا كان حراً، يأمن على نفسه وحريته،
الإنسان هو الأداة الأم، في البناء وهو العامل الأساس في بناء الحضارات على مرّ العصور، فلا أسوار تقي من عاديات الزمن وغدره اذا كان بناء الانسان متهالكا او متصدعا،
يقول أحد المستشرقين:إذا أردت أن تهدم حضارة أمه فهناك وسائل ثلاث: هدم الأسرة، هدم التعليم، إسقاط القدوات . ولكي تهدم اﻷسرة:عليك بتغييب دور (اﻷم) وأن تجعلها تخجل من وصفها ب”ربة بيت” أو حتى أماً أحياناً.
ولكي تهدم التعليم: عليك ب (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلِّل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
وحتى تسقِط القدوات: عليك ب (العلماء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لايُسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.