في الثورة السورية، ضد دمشق الرسمية، دلالات يتجنب كثيرون الخوض فيها، بشكل واضح وصريح، وبين يدي هنا، خمس ملاحظات في العام الرابع للثورة السورية.
اولى هذه الملاحظات تقول: إن المعارضة السورية ثبت ضعفها في ادارة الثورة السورية، فوق انتهازية كثيرين، دخلوا على خط الثورة بحثا عن المال او عن مواقع سياسية لما بعد سقوط نظام الاسد، فوق الكذب وقلة المصداقية والارتزاق وهي سمات اساسية في المعارضة السورية، التي لاتصدقها عواصم العالم، ولاتأخذ تعهداتها على محمل الجدية؛ لأن هذه المعارضة مخترقة وموزعة الولاءات وقابضة للمواقف نقداً، وتحقد اجنحتها على بعضها البعض، فهي معارضة غير قادرة على ادارة هذه الثورة، نهائيا، وتسببت بزيادة حريقها دون نتيجة، ولابد من الاعتراف ان وكلاء الثورة كانوا السبب في افشالها.
اما الملاحظة الثانية فتقول: إن كثرة الكلام العدائي سياسيا وحزبيا عبر وسائل كثيرة، ضد مكونات الشعب السوري، من علويين ومسيحيين ودروز، والطبقة السورية السنية المتحالفة مع النظام، وتوعد هؤلاء بالثأر من جانب المعارضة وفصائلها، ادى الى عدم شراكة مكونات كبيرة من المجتمع السوري في هذه الثورة، بل تم اخذ هذه المكونات الى خانة الدفاع المستميت عن النظام؛ لانهم هنا يدافعون عن وجودهم والحاضنة التي تحميهم، وهذا يعني ان خطاب التوعد والثأر والكراهية والانتقام من جانب الثائرين، لم يؤد الى انفضاض الناس عن النظام، بل زاد تمسكهم به، خوفا على انفسهم مما سيحدث بعد سقوطه، وهذا يؤشر على ان المعارضة غير الموحدة وغير الراشدة، لم تفهم خطورة الاطلالة بخطاب ثأري، وهي كانت هنا تزيد من سوار الحماية الاجتماعية للنظام من جانب الطبقات المهددة، والتي لم يتم اسماعها اي خطاب تصالحي حقيقي، لاطفاء مخاوفهم اللاحقة.
الملاحظة الثالثة تتعلق بالدور الوظيفي للثورة السورية، دوليا، اذ تم توريط الشعب السوري في ثورة هدفها الاساس تدمير بنية الدولة السورية اجتماعيا واقتصاديا، وهنا تمت ادامة التطاحن بطريقة غريبة بين النظام والمكونات الثائرة، دون حسم نهائي، ولن يكون هناك حسم، الا بعد ان تتأكد عواصم نافذة ان سورية لم يبق فيها شارع واحد صالحا، ولا سقف قائما، ولا لمبة كهرباء على قيد الحياة في شارع، وهكذا تم قلب الثورة السورية من ثورة على النظام، الى ثورة من السوريين على انفسهم، وهذه حرب غير مكلفة ابدا، وكلفتها اقل مليون مرة، مقارنة بحرب قد تشنها اسرائيل على سورية، مثلا.
رابع الملاحظات، وهي هامة للغاية، وتقول: إن الجميع مارس الكذب على السوريين، عبر اقناعهم ان لابد من التضحية لاجل نجاح الثورة، وان سورية سيعاد تعميرها لاحقا، ويتناسى هؤلاء ان اعادة الاعمار شعار تم طرحه بعد احتلال العراق العام 2003 والعراق الثري جدا بثرواته مازال بلا اعمار، وتنقطع الكهرباء فيه صيفا، فأي اعمار هذا يتم اقناع السوريين فيه بعد قليل، وسورية بلا ثروات، وقد تنال حصتها من مؤتمر دولي للتسول بذريعة الاعمار، وهذا يعني ان خراب البلد، بحاجة الى الف عام حتى يتم رفعه، ويكفينا هنا حقن الناس بالوعود الكاذبة، فما خسره السوريون لن يعود، بشرا ومالا.
ختام الملاحظات على الملف السوري، انه بمعزل عن تراشق الاتهامات بين كل الاطراف، فقد ادى الجميع ذات الدور، من زاوية مختلفة، وتحت عنوان مختلف يراه مقدسا، او وطنيا، ولكن المشترك بين الجميع نظاما ومعارضة، انهما كانا يمثلان «ثنائية القتل والتدمير» في سورية، فالمقتول ببراميل النظام لايختلف عن المقتول برصاص المعارضة؛ لأن الدم يصب في خزان واحد، وعلى حساب الشعب السوري في المحصلة، وما مِن بيت اليوم الا وفيه قتيل او مشرد او جريح، أكان هذا البيت سنيا ام علويا ام غير ذلك، منتميا للنظام او للمعارضة، فالخسارة تحققت على الجميع، والذي يشرعن قتل طرف دون طرف يتورط من حيث لايحتسب في ذات عقيدة الثأر، ولايختلف عن خصمه.
(الدستور)