الرسالة المهمة والتاريخية التي وجّهها الرئيس باراك أوباما إلى المرشد الروحي للثورة الإيرانية، آية الله خامئني، بمثابة مؤشر مهم على تحولات جذرية تجري في إعادة هيكلة التحالفات والمصالح في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما سيؤدي على المدى المتوسط إلى تخلّي واشنطن تماماً عن حلفائها العرب والبحث عن الشراكة مع الإيرانيين!
الرسالة تضمّنت تعهداً من أوباما لخامئني بعدم الاقتراب من نظام بشار الأسد والتأكيد على الرغبة الأميركية في الشراكة مع إيران لـ"مواجهة التطرف"، في حال تمّت الصفقة على البرنامج النووي الإيراني.
والحديث عن "الصفقة النووية" يدفعنا خطوة واحدة إلى الأمام في رؤية المشهد الراهن، لنطرح السؤال على الحكومات العربية المحافظة، التي تريد تجميد الدماء في عروق الزمن ومنع التغيير بأيّ وسيلة كانت، ماذا سيبقى لكم في حال تمت هذه الصفقة الأميركية- الإيرانية؟!
حتى لو لم تنجز الصفقة، وبقيت العقبات الحالية، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تدخل في صدام مع إيران، وقد أصبحت مستعدة إن لم يكن رسمياً، فواقعيّاً، للاعتراف بهذا النفوذ في العراق وسورية ولبنان، وربما اليمن لاحقاً!
لكن أهمية الصفقة بالنسبة للإدارة الأميركية وإسرائيل تكمن في أنّها تضع حدّاً لموضوع حزب الله، وهو ما أكّده (لنا في لقاء خاص) ديبلوماسي أميركي عريق لعب دوراً في تدشين القناة الخلفية مع طهران، إذ أخبره الإيرانيون أنّهم، في حال تمت الصفقة، على استعداد كامل لتحويل حزب الله إلى حزب سياسي في المعادلة الداخلية اللبنانية.
على الطرف الآخر، لم يعد نظام الأسد والموقف منه عقبة كبرى في وجه هذه الصفقة، فهنالك تحول كبير في الموقف الأميركي هناك، وهو الذي أدّى إلى إقالة وزير الدفاع الأميركي، وربما تفصّل في هذا المجال ورقة مهمة صدرت مؤخراً عن مؤسسة راند (سأناقشها غداً)، لكن المهم هنا هو أنّ الرئيس أوباما، عبر رسالته لخامئني، قفز عن رؤية حلفائه العرب بصورة كاملة، عندما "اختزل" مفهوم الإرهاب بتنظيم داعش وجبهة النصرة، ودعا الإيرانيين للشراكة في "الحرب على الإرهاب"، وما تقوم به الإدارة الأميركية اليوم في كل من العراق وسورية يخدم عملياً وبوضوح الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية والنظام السوري، أي أنّ المستفيد من وراء ذلك هي إيران!
بالعودة إلى وضع الأنظمة العربية، فبالرغم من أنّ الإدارة الأميركية ترفض التخلي عن حلفائها، إلاّ أنّها "عالقة"، بالفعل، بين هذه الاعتبارات وبين رؤيتها الاستراتيجية وقناعتها العميقة، التي بدأت بالنضوج والرسوخ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، بأنّ النظام العربي الراهن ليس حليفاً جيداً، ولا صديقاً خدوماً على المدى البعيد، وأنّ مصير هذه الدول والأنظمة هو إلى التفكك والفوضى والأزمات الداخلية والضغوط السكانية والاقتصادية، ما يعني أنّ الرهان عليهم لم يعد مجدياً، وما القاعدة أو داعش وأخواتهما إلاّ تصدير لهذه الأزمات الداخلية.
لن نشهد تغيّراً دراماتيكياً مفاجئاً في المواقف الأميركية بين ليلةٍ وضحاها، لكن على المدى المتوسط والبعيد، من الواضح أنّ هنالك تفكيرا أميركيا جديدا مرتبطا حتى باكتشافات النفط في الولايات المتحدة الأميركية وتراجع القيمة الاستراتيجية للمنطقة العربية في حسابات واشنطن.
بيت القصيد هو أنّ الأنظمة العربية اليوم - بإصرارها على إحياء التحالف واستدامته مع واشنطن وممانعة التغيير الديمقراطي والجمود على المعادلات الراهنة- تلعب بالوقت الضائع، ولا تريد أن تقتنع بأنّ الحفاظ عليه أصبح خياراً مستحيلاً، حتى وإن تحققت اختراقات تكتيكية سطحية هنا أو هناك، فعلى المدى البعيد مثل هذه المقاربة ستولّد انفجارات قادمة أكبر، فالحوار الإيراني- الأميركي، والروسي- التركي هو ما يقرر مصير المنطقة، لأنّه بين الأقوياء!
(الغد)