منحت صوتي لعشرة آلاف قرار خلال ربع قرن، الصوت الوحيد الذي أتمنى لو أسحبه هو تصويتي للحرب على العراق – جوزيف هويفيل، سناتور أمريكي
أقرأ هذه الأيام كتاب السناتور الأمريكي جوزيف هويفيل، "كذبة العراق؛ كيف باع البيت الأبيض الحرب"*، ويتحدث الكتاب عن قضايا وأسرار وتفاصيل ووثائق حصول بوش الابن عام 2003 على قرار الحرب ضد العراق من الكونجرس الأمريكي.
ويقول رجل الكونجرس أن بوش وإدراته استدرجوا الكونجرس بحجج واهية لشن الحرب على العراق، من امتلاك صدام حسين أسلحة بيولوجية واستمراره في بناء ترسانته النووية، وعلاقته مع القاعدة، على الرغم من أن جميع تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت تؤكد أنه لا توجد دلائل دامغة على حجج الإدارة الأمريكية.
هذه التقارير تعرض على أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية، وعلى ثمانية أعضاء من لجنة الاستخبارات السرية في الكونجرس الذين بموجب القسم لا يفصحون عن أية معلومات يطلعون عليها، فالأمر كله "محبوك" كما يقال، وأكثر من ذلك قامت الإدارة بتسريب تقارير كاذبة إلى الصحافة وأعضاء الكونجرس تؤيد حجج بوش وإدارته!
وبعد الحرب انكشفت الأكاذيب، فتقرير 30.9.2004 الذي أعده المفتشون الذين كلفوا بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، خلص إلى أن صدام لم يمتلك أية أسلحة كيماوية أو بيولوجية وأنه تخلص تماما من برنامجه النووي في منتصف التسعينيات!
كل هذا قد أصبح من الماضي، لا قيمة له، فهو صوت ضمير استيقظ لرجل كونغرس في خريف عمره، فمن أجل عيون إسرائيل ومصالحها لا يهم أن يقتل مائة ألف جندي ومدني عراقي، ويدمر وينتهب بلد بأكمله، وينفق مبلغ اثنين تريليون دولار ثمنا للحرب، ناهيك عن مقتل أربعة آلاف وخمسمائة جندي أمريكي وجرح أكثر من ثلاثين ألفا . وهذا هو السبب الحقيقي للحرب، فالصواريخ التي أطلقها صدام إبان حرب 1990 وتهديده آنذاك لاسرائيل، ووجود بلد عربي قوي قد يشكل تهديدا لإسرائيل هو من الأسباب الحقيقية لتلك الحرب.
وإذا كان هذا كله قد أصبح من ماضي الولايات المتحدة، فهو ما زال حاضرنا ومستقبلنا، وما زلنا ندفع ثمن كذبة رئيس، فالحركات المتطرفة كانت من نتائج تلك الحرب، وعلى أنغام حرب انتهت تقرع طبول حرب جديدة، وها هي أكاذيب جديدة تقال، وحجج جديدة لدفن أمة، وأهداف جديدة قد حددت، وهذه الأهداف الحقيقية سنراها اعتبارا من العام المقبل أو الذي يليه، بعد أن تم تهيئة المنطقة بحروب طائفية وثورات وفوضى، وظهور حركات متطرفة منها كداعش.
ها قد بدأ تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، بأهدافه قصيرة الأجل كتقسيم العراق إلى ثلاث دول، سنية وكردية وشيعية، وإسقاط نظام الأسد، وتقسيم كل من سوريا وليبيا إلى ثلاث دول، وتشديد الطوق على إيران، وإنشاء دولة كردية في شمال العراق وسوريا، ومن ثم قد نرى لبنان يقسم إلى أربع دول والسعودية ست دول، وبعدها يصل الدور إلى كل من إيران وتركيا.
ولماذا تركيا، وهي حليف للولايات المتحدة؟ لأن المفكرين الأمريكان لديهم مخاوف من أن تركيا قد تشكل تهديدا مستقبليا للولايات المتحدة لسببين، الأول اقتصادي فهي قوة كبيرة ناشئة والثاني سياسي أيدلوجي إسلامي.
هذه المرة أيضا هناك تحالفات كروسيا والصين ترفض هذه السيناريوهات، إذن نحن على أعتاب حرب باردة في أكثر السيناريوهات تفاؤلا، وحرب كونية في أسوئها.
*Joseph M Hoeffel, The Iraq Lie: How the White House Sold the War