نداء جمعية الشؤون الدولية: هل من تلبية؟
بلال حسن التل
30-11-2014 03:52 AM
تعتبر جمعية الشؤون الدولية واحدة من أهم مؤسسات المجتمع المدني الأردني، وأكثرها ثقلاً معنويًا من حيث نوعية ومستوى أعضائها، وغالبيتهم: كوكبة من رجال وسيدات الوطن الذين ساهموا بجهد مشكور في بناء الوطن ورفعة شأنه في كل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وفي القطاعين–الخاص والعام -..
إضافة إلى تميز جمعية الشؤون الدولية من حيث مستوى العضوية، فإنها تتميز أيضًا بالمثابرة والانتظام في نشاطاتها، ومواظبة الأعضاء على المشاركة في هذه النشاطات. الأمر الذي يضفي مزيدًا من الجدية والمصداقية على أعمال الجمعية وقدرتها على المتابعة.
مناسبة هذا الحديث عن جمعية الشؤون الدولية، هي البيان الذي أصدرته الجمعية بعد مناقشتها للأوضاع الداخلية في الأردن يوم الثلاثاء الماضي.. وهو البيان الذي حمل عنوان:»تحصين الجبهة الداخلية»، والذي استعرضت فيه الجمعية بإيجاز، (ولكن بتركيز) تطورات الأوضاع في المنطقة، محذرة من انعكاسات هذه التطورات على الأردن، داعية إلى تحصين جبهته الداخلية، ليتمكن من مواجهة التحديات الناجمة عن عدم الاستقرار الذي تعيشه المنطقة، مع التحذير من امتداد النيران المحيطة إلى الداخل الأردني.
ما نريد أن نقوله بعد قراءة هذا البيان: إنه عندما تشعر هذه النخبة من رجالات الدولة وبناة الوطن، ورموز نظامه السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي أنَّ جبهتنا الداخلية تحتاج إلى تحصين، فإن ذلك يعني أنَّ هناك مشاكل حقيقية تواجه هذا الوطن، وأنَّ خللاً أصاب جبهتنا الداخلية، وأَن الأمر ليس أمر مزايدات أو بحث عن أضواء أو أدوار. فأعضاء الجمعية اجتازوا مرحلة المراهقة السياسية، وتجاوزوا مرحلة البحث عن أدوار.
إن وجود هذه المشاكل ليس أمرًا نستنتجه من عنوان البيان، بل إن البيان ذكر حزمة من هذه المشاكل التي لا بد من العمل على حلها، إِنْ أردنا تجنيب بلدنا النيران المشتعلة في أكثر من بلد من بلدان الجوار، وعلى مستوى المنطقة ككل. نقول (العمل) لنضم صوتنا إلى صوت جمعية الشؤون الدولية، التي طالبت في بيانها بتحصين الجبهة الداخلية، بتحويل الأفكار التي وردت في الكثير من الأدبيات السياسية، والوثائق الرسمية للدولة الأردنية إلى واقع يلمسه الناس، أو كما جاء في البيان «..إن الرأي العام يترقب تحويلها إلى أفعال حقيقية ملموسة على أرض الواقع».
كثيرة هي الأسباب التي تدعو إلى ضرورة تحصين الجبهة الداخلية للأردن وأولها: ما أشار إليه بيان جمعية الشؤون الدولية، من أن فترة عدم «استقرار الصراعات المذهبية والسياسية والتدخلات الأجنبية في المنطقة قد تستمر لعدة سنوات، وفي هذا الإطار يؤكد البيان على أنّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، وبناء المستوطنات، وإطلاق العنان للمستوطنين والمتطرفين اليهود لممارسة الإرهاب الجسدي، والمادي. كل ذلك يعتبر تهديدًا لأمن الأردن، وسببًا جوهريًا لانتشار الإرهاب بكافة أشكاله، وكل هذه الأسباب وغيرها لا يستطيع معها الأردن الاطمئنان إلى ان النار ستبقى خارج حدوده.
وهذا تحذير لا بد من أخذه بكل الجدية والانتباه، والتصرف بمقتضاه، لأنه يصدر عن مؤسسة رزينة تضم في عضويتها كما قلنا نخبة من بناة الوطن، الذين ساهم عدد منهم في السعي لصناعة ما سمي بمسيرة السلام، ودافع عنها في كل المحافل، وتحمّل في سبيل ذلك الكثير من العنت، ليصل به المطاف إلى الاصطدام مع التعنت الإسرائيلي والتحذير منه، وهو التعنت الذي يُشكل أرضية خصبة لعدم الاستقرار في المنطقة، ومن ثم لانتشار التطرّف والتعصب والتحذير.
لم يتوقف بيان جمعية الشؤون الدولية عند حدود التشخيص والتحذير، بل ذهب إلى اقتراح مفاتيح لما ترى الجمعية انه ضروري لتحصين الجبهة الداخلية، فبعد ان طالب البيان بتحويل ما ورد في الأدبيات السياسية للدولة إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع، طالب أيضًا باليقظة، والحذر، والتوعية، وتوجيه الرأي العام نحو الأولويات، وصولاً إلى تعميق مفهوم المواطنة، محذرًا من تمكن قوى التطرّف والإرهاب من التسرب إلى جسم المجتمع الأردني، وتفتت الجبهة الداخلية من خلال الوصول إلى الشباب، وخاصة طلبة المدارس والجامعات، والعمل على غسل عقولهم بإغراءات المال والسلطة، وباسم الدين، أو المذهب، أو التخلص من الدولة الفاسدة.
وهذا يضع المؤسسات التربوية، والدينية، والثقافية، والاجتماعية أمام مسؤولية كبيرة من حيث تنوير وتوعية أفراد المجتمع كافة إلى خطورة حركات «التطرّف والتكفير والإرهاب». بالإضافة إلى المطالبة بالإصلاحات الاقتصادية الشاملة، والتوسع في المشاريع الاجتماعية؛ كذلك الحزم في تطبيق القانون، موجهًا نداء إلى كل المواطنين لكي ينتبهوا إلى خطورة المرحلة.. ومن ثم العمل على حشد كل الطاقات والجهود نحو الأولوية التي تعلو على كل الأولويات، وهي درء الخطر عن الأردن والحفاظ على أمنه واستقراره.
إن ما طالبت به جمعية الشؤون الدولية، وما جاء في ندائها للجميع، يستدعي ان تتم الاستجابة الفورية له ولكل نداءات إصلاح مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة والوعظ، ومع ذلك كله وبموازاته إصلاح الاقتصاد بطريقة يلمس فيها المواطن تخفيفًا من الأعباء التي يعاني منها؛ والطريق إلى ذلك بناء اقتصاد منتج، لا اقتصاد إعالة، على ان يحكم ذلك كله القانون، بحيث يشعر كل مواطن انه سواء مع غيره، وان لا أحد فوق القانون.. كل ذلك من خلال تحويل الوطن إلى ورشة عمل حقيقية لتحصين جبهته الداخلية، تجاوبًا مع نداءات كل المخلصين من أبناء هذا الوطن، الذي جسَّد بيان جمعية الشؤون الدولية الكثير منها، فهل من مستجيب؟ آخذين بعين الاعتبار، أن أحدًا لا يستطيع التشكيك بالجمعية من حيث الأهداف والارتباطات، كما جرت العادة عندما نريد ان نصم آذاننا، فنشكك بمصدر النداء وبأهدافه.
(الرأي)